الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحوِها، ولم يكنْ لها ظل، وكانتْ أمُّ سلمةَ وأمُّ حبيبة قد هاجرتا إلى
الحبشةِ.
فتصويرُ الصورِ على مثل صورِ الأنبياءِ والصالحينَ، للتبركِ بها والاستشفاع
بها محرَّمٌ في دينِ الإسلامِ، وهو من جنسِ عبادةِ الأوثانِ، وهو الذي أخبر
النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أهلَه شرارُ الخلقِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ.
وتصوير الصورِ للتآنسِ برؤيتها أو للتنزهِ بذلك والتَّلهي محرَّم، وهو منَ
الكبائرِ وفاعلُه من أشدِّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ، فإنه ظالمٌ ممثِّلٌ بأفعالِ اللَّهِ
التي لا يقدرُ على فعِلهَا غيرُه، واللَّهُ تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ) ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى.
* * *
قوله عز وجل: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
وسببُ نزولِهَا: أنّ قومًا سألُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن قصةٍ، قال: غدًا أخبرُكم، ولمْ يقلُ إنْ شاء اللَّهُ. فاحتبس الوحيُ عنه مدةً، ثم نزلتْ هذه الآيةُ.
وفي الحديثِ الصحيح: أنَّ سليمانَ عليه السلام قال: "لأطوفنَّ الليلةَ
على مائةِ امرأةٍ" الحديث.
وفي الحديث: أنَّ بني إسرائيلَ، لو لمْ يقولُوا:"إنْ شاء اللَّه " ما اهتدُوا
أبدًا يعني إلى البقرةِ التي أُمروا بذبحِهَا.
وفي الحديثِ الذي في "المسندِ" و "السنن": أنَّ يأجوجَ ومأجوجَ يحفرونَ
كلَّ يومٍ السدَّ حتى يكادُوا يروا منه شُعاعَ الشمسِ، ثم ينصرفونَ ويقولونَ غدًا نفتحُهُ فإذا رجعُوا من الغدِ وجدُوه كما كان أولاً حتى يأذنَ اللَّهُ في فتحِهِ، فيقولونَ: غدًا نفتحُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ، فيرجعونَ فيجدونَهُ كما تركوه فيفتحونه.
قال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: قال بعضُهم: ما سألَ السائلونَ مسألةً هي أنجحُ من
أن يقولَ العبدُ: ما شاء اللَّهُ قال: يعني بذلك: التفويضَ إلى اللَّهِ.
وكان مالكُ بنُ أنسٍ كثيرًا يقولُ: ما شاءَ اللَّهُ ما شاءَ اللَّهُ.
فعاتبه رجلٌ على ذلكَ. فرأى في منامِهِ قائلاً يقولُ: أنت المُعاتبُ لمالكٍ على قولِهِ ما شاء اللَّه، لو شاءَ مالكٌ أنْ يثقبَ الخردلَ بقولِه ما شاءَ اللَّهُ فعلَ.
قال حمادُ بنُ زيدٍ: جعلَ رجلٌ لرجلٍ جُعلاً على أنْ يعبرَ نهرًا، فعبرَ حتى
إذا قربَ من الشطِّ، قال: عبرتُ واللَّهِ، فقالَ له الرجلُ: قلْ إن شاء اللَّهُ.
فقال: شاءَ اللَّهُ أو لم يشأ، قال: فأخذَتْهُ الأرضُ.
فلا ينبغي لأحدٍ أن يُخبر بفعلٍ يفعله في المستقبلِ إلا أنْ يُلحقَهُ بمشيئةِ اللَّهِ.
فإنَّه ما شاءَ اللَّهُ كان وما لم يشأ لم يكنْ.
والعبدُ لا يشاءُ إلا أنْ يشاءَ اللهُ له.
فإذا نسِيَ هذه المشيئةَ ثم تذكَّرها فقالَهَا عند ذكرها ولو بعدَ مدةٍ، فقد
امتثلَ ما أُمِرَ به، وزالَ عنه الإثمُ، وإنْ كان لا يرفعُ ذلك عنه الكفارةَ،
ولا الحِنثَ في يمينِهِ، ولهذا في كلامِ أبي الدرداءِ: اللَّهُمَ اغفرْ لي وتجاوزْ عنِّي.
فلم يسألْ إلا رفعَ الإثم دونَ رفع الكفارةِ.
رُوي عن سعيدِ بنِ جبيرِ، في قولِهِ تعالي:(وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) .
قال: يقولُ: إذا حلفتَ فنسيتَ الاستثناءَ فاستثنِ إذا ذكرتَ.
ولو بعدَ خمسةِ أشهرٍ أو ستةَ أشهرٍ؛ فإنَّه يجزئك ما لم تحنثْ.
خرَّجه آدمُ بنُ أبي إياسِ في "تفسيرِهِ ".
وعلى هذا حَملَ قولَ ابنِ عباسٍ وأصحابهِ طائفةٌ من العلماءِ، منهُم:
أبو مسعودٍ الأصبهانيُّ الحافظُ وابنُ جريرِ الطبريُّ.
وكذا يُقال في هذا الحديثِ من تقدُّم الاستثناء؛ فإنَّ تقديمَه أبعدُ من تأخير
عن اليمينِ، فإنَّ اليمينَ لم تُوجد بالكليَّة وفي تأخيره وجدتْ.
وقد قالَ مالكٌ في الاستثناءِ في اليمينِ: إنْ ذكرَ المشيئةَ يريدُ بها الاسثتناءَ
نفعَهُ ذلك في منع الحنثِ، وإنْ كان إنَما أراد امتثالَ قولِهِ تعالى:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ، ثم حنثَ، فإنَي
أرى الكفارةَ نقلَهُ ابنُ المنذرِ وغيرُه وكذلك حكاهُ أبو عُبيد عن بعضِ العلماءِ.
وترددَ بعضُ العلماء في وجوبِ الكفارةِ في هذا القسم؛ لترددِّ نظر بين
اللفظِ والمعْنَى. فلفظُهُ معلَّق بالمشيئةِ، ومعناهُ الجزمُ بالفعلِ غير معلقٍ، وإنَّما
ذكرَ الاستثناء تحقيقًا وتأكيدًا للفعلِ.
وفي الجملةِ: فينبغي حملُ حديثِ زيدِ بنِ ثابتِ هذا على هذا المعنى.
وأنْ تُقدَّم المشيئةُ على كل قولٍ يقولُه وحلفٍ يحلفُهُ ونذرٍ ينذرُهُ، ليخرجَ بذلكَ
من عُهدةِ استقلالِ العبدِ بفعلهِ، وليحققَ العبدُ أنَّه لا يكونُ مما يعزم عليه العبدُ
ويقولُه من حل ونذرٍ وغيرِهِما إلا ما شاءَ اللَّهُ وأرادَهُ، ولهذا قالَ بعدَهُ: "ما
شئتَ كان وما لم تشأ لم يكنْ، ولا حول ولا قوَّةَ إلا بكَ، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير".
فتبرَّأ من حولِهِ وقوتِهِ ومشيئتِه بدون مشيئةِ اللَّهِ وحولِهِ وقوتِهِ، وأقرَّ لربِّه
بقدرتِهِ على كلِّ شيءٍ وأنَّ العبدَ عاجز عن كلِّ شيءٍ إلا ما أقدرَهَ عليه ربّه.
ففي هذا الكلامِ: إفرادُ الربِّ تعالى بالحولِ والقوةِ والقُدرةِ والمشيئةِ، وأنَّ
العبدَ غيرُ قادرٍ من ذلكَ كلِّه إلا على ما يقدره مولاهُ، وهذا نهايةُ توحيدِ
الربوبيةِ.
وللشافعيِّ من أبياتٍ شعر:
ما شئتَ كانَ وإنْ لم أشأْ. . . وما شئتُ إنْ لم تشأ لم يكنْ
وقد حملَ طائفة منهُم الإمامُ أحمدُ كلامَ ابنِ عباسٍ في تأويلِ الآيةِ على
وجهٍ آخرَ، وهو: أنَّ الرجلَ إذا قال: لا أفعلُ كذا وكذا، ثم أرادَ فعلَهُ فإنَّه
يستثنِي، ويقولُ: إن شاءَ اللَّهُ، ثم يفعلُهُ ويتخلَّصُ بذلكَ من الكذبِ إذا لم
يكنْ حلف على يمين.
وكان يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ، إذا قالَ: لا أفعلُ كذا. لا يفعلُه أبدًا، فإذا
قيلَ له: لم تحلفْ؛ يقولُ: هذا أشدُّ - يعني الكذبَ - لو كنتُ حلفتُ كان
أهونُ، كُنتُ أكفِّرُ يميني وأفعلُهُ.
وسُئل الإمامُ أحمدُ عمَّن يقولُ: لا آكلُ ثم يأكلُ، قال: هو كذبٌ، لا
ينبغي أنْ يفعلَ ذلك.