الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموعوظُ فعليكَ حينئذٍ بنفسِكَ لا يضرُّك من ضل إذا اهتديتَ.
وعن الحسنِ: أنه كان إذا تلا هذه الآيةَ، قال: يا لها من ثقةٍ ما أوثقها!
ومن سعةٍ ما أوسَعها!.
وهذا كلُّه قد يُحملُ على أنَّ من عجزَ عن الأمرِ بالمعروفِ، أوخافَ
الضَّررَ، سقطَ عنه، وكلامُ ابنِ عمر يدلُّ على أنَّ من عَلِمَ أنَّه لا يُقبل منه، لم يجبْ عليه، كما حُكِي روايةً عن أحمدَ، وكذا قالَ الأوزاعيُّ: " مَنْ ترى
أن يقبل منك.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَ
وْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)
وقد دلَّ القرآنُ على استحلافِ الشهودِ عندَ الارتيابِ بشهادتِهِم في الوصيَّةِ
في السفرِ في قولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكمْ) إلى قوله: (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ) .
وهذه الآية ُ لم يُنسخ العملُ بها عندَ جمهورِ السلفِ، وقد عَمِلَ بها
أبو موسى، وابن مسعودٍ، وأفتى بها علي، وابنُ عباسٍ، وهو مذهبُ شُريح والنخعيِّ، وابنِ أبي ليلَى، وسفيانَ والأوزاعي وأحمدَ وأبي عُبيدٍ وغيرِهم.
قالُوا: تُقبل شهادةُ الكفار في وصيَّةِ المسلمينَ في السَّفرِ، ويُستحلفانِ مع
شهادتِهِما.
وهل يمينُهُما من بابِ تكميلِ الشهادةِ، فلا يُحكمُ بشهادتِهِما بدونِ
يمينٍ، أم من بابِ الاستظهارِ عند الريبة؟ وهذا محتملٌ، وأصحابُنا جعلُوها
شرطَا، وهو ظاهرُ ما رُويَ عن أبي موسى وغيرِه.
وقد ذهبَ طائفةٌ من السلفِ إلى أنَّ اليمينَ مع الشاهدِ الواحدِ هو من بابِ
الاستظهارِ، فإنْ رأى الحاكمُ الاكتفاءَ بالشَّاهدِ الواحدِ، لبُروزِ عدالتِهِ، وظُهورِ صِدْقه اكتفَى بشهادتِهِ بدون يمينِ الطالبِ.
وقولُهُ تعالى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا) ، يدلُّ على أنَّه إذا ظهر خلَلٌ في شهادةِ الكفارِ، حَلَفَ أولياءُ الميتِ على خيانتِهِمَا وكذبِهِما، واستحقُّوا ما حلَفُوا عليه.
وهذا قولُ مُجاهد وغيرُه من السلفِ.
ووَجْه ذلكَ: أن اليمينَ في جانبِ أقوى المتداعيينِ، وقد قَوِيَتْ هاهنا
دَعْوى الورثةِ بظهورِ كذبِ الشُّهودِ الكفارِ، فتُردُّ اليمينُ على المُدَّعينَ.
ويحلفونَ مع اللَّوْثِ ويستحقُون ما ادَّعَوْهُ، كما يحلفُ الأولياءُ في القَسامةِ مع
اللَّوْثِ، ويستحقّون بذلك الدِّيَةَ والدَّم - أيضًا - عندَ مالكٌ وأحمدَ وغيرِهما.
وقضى ابنُ مسعودٍ في رجلٍ مسلم حضرَهُ الموتُ فأوصَى إلى رجلين
مسلمين معه، وسلَّمهما ما معه مِنَ المالِ، وأشهدَ على وصيَّته كفَّارًا، ثم قدِمَ
الوصيَّانِ، فدفعا بعضَ المالِ إلى الورثةِ، وكتما بعضه، ثمَّ قدِمَ الكفَارُ فشهدُوا عليهم بما كتمُوه منَ المالِ، فدعا الوصيَّينِ المسلمينِ، فاستحلفهُما: ما دفعَ إليهما أكثر ممَّا دفعاهُ، ثم دعا الكفارَ، فشهدُوا وحَلَفوا على شهادتِهِم، ثم أمرَ أولياءَ الميتِ أن يحلفُوا أنَّ ما شهدتْ به اليهودُ والنصارى حقٌّ فحلفوا، فقضى على الوصِيَّينِ بما حلفوا عليه، وكانَ ذلكَ في خلافةِ عثمانَ، وتأوَلَ ابنُ مسعودٍ الآيةَ على ذلكَ، فكأنَّه قابلَ بين يمينِ الأوصياءِ والشُّهود الكفارِ فأسقطَهُما، وبقي مع الورثةِ شهادةُ الكفار، فحلفُوا معها، واستحقُّوا، لأنَّ جانبَهم ترجَّحَ بشهادةِ الكفارِ لهم، فجعلَ اليمينَ مع أقوى المتداعيينِ، وقضَى بها.
* * *