الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
وفي الحديثِ المشهورِ عن ثوبانَ أنَّه قال: لمَّا نزلتْ هذه الآية ُ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"تبًّا للذهبِ والفضةِ".
قالُوا: يا رسول اللَّهِ، فما نتخذُ؟
قال: "ليتخذْ أحدُكم قلبًا شاكرًا، ولسانِا ذاكرًا.
وزوجة صالحةً تُعين أحدَكُم على إيمانِهِ ".
قالَ بعضُهم: إئما سُمِّيَ الذهبُ ذهبًا، لأنه يذهبُ، وسمِّيت الفضةُ فضةً
لأنها تنفضُّ، يعني تنفضُّ بسرعةٍ، فلا بقاءَ لهُمَا، فمن كنزَهُما فقد أرأدَ بقاءَ
ما لا بقاءَ له، فإن نفعَهُما ما هو إلا بإنفاقهما في وجوهِ البِر وسبلِ الخيرِ.
وقال الحسنُ: بئسَ الرفيقُ الدرهمُ والدينارُ؛ لا ينفعانِكَ حتَّى يفارقانِكَ.
فما داما مكنوزينِ فما يضرانِ ولا ينفعانِ، وإنَّما نفعُهُما بإنفاقِهِما في
الطاعاتِ، قال اللَّهُ تعالى:(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ، والآيةُ ذمٌّ ووعيدٌ لمنْ يمنعُ حقوقَ مالِهِ
الواجبةِ من الزكاةِ وصلةِ الرَّحم وقِرى الضيفِ والإنفاقِ في النوائبِ.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من صَاحِبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدِّى مِنْها حقَّها إلا إذا كان يومُ القيامة صُفِّحت له صفائحُ من نارٍ فأحمي عليها في نارِ جهنَّم، فيكوى بها جنبُه وجبينُهُ وظهرُه، كلما برَدَتْ أعيدت له، في يومٍ كان مقدارُهُ خمسين ألف سنةٍ، حتى يقضى بين العبادِ، فيرى سبيلَهُ إمَّا إلى الجنةِ وإمَّا إلى النارِ".
وفي "صحيح البخاريِّ " عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من آتاهُ اللهُ مالاً فلم يُؤدِّ زكاتَهُ مُثلَ له يومَ القيامةِ شجاعًا أقرعَ له زبيبتان يُطوَّقه يومَ القيامة ثم يأخذُ بلهزمتيه، يعني شدقيه، ثم يقول: أنا مالُكَ، أنا كنزك " ثم تلا: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) .
وفيه أيضًا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يكون كنزُ أحدكم يومَ القيامة شجاعًا أقرع يفرُّ منه يومَ القيامةِ، ويطلبُهُ، ويقول: أنا كنزُكَ، فلا يزالُ يطلبُة حتى يبسطَ يدَهُ فيُلقمها فاه ".
وفي "صحيح مسلم " عن جابرٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحبِ كنز لا يفعلُ فيه حقَّهُ إلا جاءَ كنزهُ يومَ القيامةِ شجاعًا أقرعَ يتبعُهُ فاتحاً فاهُ، فإذا أتاهُ فرَّ منهَ، فيناديِه: خُذْ كنزَكَ الذي خبَّأتَهُ فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بدَّ له منه سلكَ يدَهُ في فيه فيقضمها قضمَ الفحْلِ ".
والشجاعُ: الحيَّةُ الذكرُ، والأقرعُ: الذي قد تمعَّطَ شعر
فروةِ رأسِهِ لكثرةِ سمِّهِ.
فلهذا وردَ الشرعُ باكتنازِ ما يبقى نفعُهُ بعد الموتِ من الإيمانِ والأعمالِ