الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الكفرِ الناقلِ عن الملةِ، لأنَّ اسمَ الفاعلِ لا يُشتقُّ إلا من الفعلِ الكاملِ.
ولذلكَ قالَ في اسم المؤمنِ: لا يقالُ إلا للكاملِ الإيمانِ، فلا يستحقُّه من
كان مرتكبًا للكبائرِ حال ارتكابِهِ، وإن كان يقالُ: قد آمنَ، ومعه إيمان.
وهذا اختيارُ ابنِ قتيبةَ.
وقريبٌ منه: قولُ من قالَ: إنَّ أهل الكتابِ، يقالُ: إنهم أشركوا، وفيهم
شِرْكٌ، كما قال تعالى:(سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، ولا يدخلون في
اسم المشركينَ عند الإطلاقِ، بل يفرَّقُ بينهم وبينَ المشركينِ، كما في قولِهِ
تعالى: (لَمْ يَكنِ الَّذِينَ كفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكتَابِ وَالْمُشْرِكينَ) ، فلا تدخلُ
الكتابيّةُ في قولِهِ تعالى: (وَلا تَنكِحوا الْمشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) .
وقد نصَّ على ذلك الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ.
وكذلك كرِه أكثرُ السلفِ، أن يقولَ الإنسانُ: أنا مؤمنٌ، حتى يقولَ: إن
شاءَ اللَّهُ، وأباحُوا أن يقولَ: آمنتُ باللَّهِ.
وهذا القول حسنٌ، لولا ما تأوَّله ابنُ عباسٍ وغير في قولِهِ تعالى:
(وَمَن لَّمْ يَحْكم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرونَ) ، واللَّهُ أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وأما النَفْسُ بالنفسِ، فمعناه: أن المكلَّف إذا قتل نفسًا بغيرِ حقٍّ عمدًا، فإنه
يُقْتَلُ بها، وقد دلَّ القرآنُ على ذلكَ بقولِهِ تعالى:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)، وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) .
ويُستثنى من عُمومِ قولِهِ تعالى: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)، صُور:
منها: أن يقتلَ الوالدُ ولدَه، فالجمهورُ على أنّه لا يُقْتَلُ به.
وصحَّ ذلك عن عُمرَ.
وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ متعدِّدةٍ.
وقد تُكُلِّمَ في أسانيدِها.
وقال مالكٌ: إنْ تعمَّدَ قتله تعمدًا لا يشكُّ فيه، مثل أن يذبَحَهُ، فإنه يُقتلُ به، وإن حذفَهُ بسيفٍ أو عصا، لم يقتلَ، وقال البتِّي: يقتلُ بقتلِهِ بجميع وجوهِ
العمدِ للعموماتِ.
ومنها: أن يقتلَ الحرُّ عبدًا فالأكثرون على أنَّه لا يُقتل به، وقد وردتْ في
ذلك أحاديثُ في أسانيدها مقالٌ.
وقيل: يقتلُ بعبدِ غيرِهِ دون عبدِهِ، وهو قولُ أبي حنيفةَ وأصحابِهِ.
وقيل: يقتلُ بعبده وعبدِ غيره، وهو رواية عن الثوري.
وقولُ طائفةٍ من أهلِ الحديثِ، لحديث سمرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"من قَتَلَ عبدَهُ، قتلناهُ، ومن جَدَعَهُ جدَعْناهُ "
وقد طعن فيه الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ.
وقد أجمعُوا على أنَّه لا قصاصَ بين العبيدِ والأحرارِ في الأطرافِ، وهذا
يدلُّ على أنَّ هذا الحديثَ مطرحٌ لا يُعمل به، وهذا مما يُستدلُّ به على أنَّ
المرادَ بقولِهِ تعالى: (النَّفْسَ بِالنفْسِ) ، الأحرار، لأنه ذكرَ بعدَهُ
القصاصَ في الأطرافِ وهو يختصّ بالأحرارِ.
ومنها: أن يَقتُلَ المسلمُ كافرًا، فإن كان حربيًّا لم يقتلْ به بغير خلافِ، لأنَّ
قتل الحربيِّ مباحٌ بلا ريب، وإن كان ذميًّا أو معاهدًا، فالجمهورُ على أنَّه لا
يقتلُ بهِ - أيضًا، وفي "صحيح البخاريِّ " عن علي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يقتلُ مسلمٌ بكافرٍ".
وقال أبو حنيفةَ وجماعةٌ من فقهاءِ الكوفيين: يُقتلُ به، وقد روى ربيعةُ عن
ابن البيلماني عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قتلَ رجلاً من أهلِ القبلةِ برجلٍ من أهلِ الذمَّة، وقال:"أنا أحقّ من وفَّى بذمَّته "
وهذا مرسل ضعيف قد ضعَّفه الإمامُ أحمدُ، وأبو عبيد، وإبراهيمُ الحربيُّ، والجوزجانيُّ، وابنُ المنذرِ والدارقطنيُّ.
وقال: ابن البيلمانيّ: ضعيف لا تقومُ به حجة إذا وصلَ الحديثَ، فكيف بما
يرسلُه؛ وقال الجوزجاني: إنَّما أخذه ربيعةُ عن إبراهيمَ بن أبي يحيى عن ابنِ
المنكدرِ عن ابن البيلمانيِّ، وابنِ أبي يحيى متروك الحديثِ.
وفي "مراسيلِ أبي داودَ" حديثٌ آخرُ مرسلٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قتلَ يومَ خيبر مسلمًا بكافرٍ قتله غيلةً، وقال:"أنا أوْلى وأحقّ من وفَّي بذمَّتِهِ ".
وهذا مذهبُ مالكٍ وأهلِ المدينةِ أن القتلَ غيلة لا تُشرط له المكافأة، فيُقْتَلُ فيه المسلمُ بالكافرِ، وعلى هذا حملُوا حديثَ ابنِ البيلمانيِّ أيضًا على تقدير صحَّته.
ومنها: أن يقتلَ الرجلُ امرأةً فيُقتل بها بغيرِ خلاف، وفي كتابِ عمرِو بنِ
حزمٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الرجُلَ يقتلُ بالمرأةِ.
وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قتل يهوديًا قتلَ جارية ".