الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ) ، وكان إبراهيمُ
التيميُّ إذا تلا هذه الآيةَ يقولُ: سبحانَ من خلَقَ من النارِ ثيابًا.
وروينا من طريقِ يحيى بن معينٍ، حدثنا أبو عبيدةَ الحدادُ، حدثنا عبدُ اللَّهِ
ابنُ بحيرٍ، عن عباسٍ الجريريَ - أحسبُهُ عن ابنِ عباس - قالَ: يُقطعُ للكافرِ
ثيابٌ من نارٍ، حتى ذكرَ القباءَ والقميصَ والكمةَ.
وخرَّج أبو داود وغيرُه من حديثِ المستوردِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل برجل مسلمٍ أكلة في الدنيا أطعمَهُ اللَّهُ مثلها في جهنَّمَ، ومن كسَى أو اكتسَى برجل مسلمٍ ثوبًا كساهُ اللَّهُ مثلَهُ في جهنَّم ".
وفي "مسندِ الإمامِ أحمدَ" عن هُبيبُ بن مُغْفِل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ:
"من وطِئَ إزارَهُ خيلاءَ وطئَهُ في النارِ"
وهو يبينُ معنى ما في "صحيح البخاريِّ " عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: "ما تحت الكعبين من الإزار ففي النارِ".
أن المراد: ما تحتَ الكعبِ من البدنِ والثوبِ معًا، وأنه يسحبُ ثوبه
في النارِ كما يسحبُهُ في الدنيا خيلاءَ.
وسيأتي حديثُ: "أهونُ أهلِ النارِ عذابًا: مَن في قدميهِ نعلانِ من نار يغلي فيهما دماغُهُ "
فيما بعدُ - إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
وفي كتابِ أبي داودَ والنسائيِّ والترمذيِّ عن بريدةَ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجلٍ خاتمًا من حديدٍ فقالَ:
"ما لي أرَى عليكَ حليةَ أهلِ النارِ".
وروى حمادُ بنُ سلمةَ عن عليِّ بنِ زيدٍ عن أنسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
"أنَّ أولَ من يُكسى حلةً من النارِ. إبليسُ، يضعُها على حاجِبِه ويسحبُها من خلفِهُ ذريتُه وهو يقولُ: يا ثبورهُ، وهم ينادونَ: يا ثبورَهُم، حتى يقفُوا على النارِ، فيقولُ: يا ثبورهُ ويقولونَ: يا ثبورَهُم، فيقالَ:
(لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) ".
خرَّجه الإمامُ أحمد.
وفي حديثِ عديٍّ الكنديِّ عن عمرَ: "أنَّ جبريلَ قالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحقِّ، لو أنَّ ثوبًا من ثيابِ النارِ عُلِّق بين السماء والأرضِ لماتَ من في الأرضِ جميعًا من حرِّهِ ".
وخرَّجه الطبرانيُّ، وسبقَ ذكرُ إسنادِهِ.
وفي "موعظةِ الأوزاعيِّ " للمنصورِ قالَ: بلغني أنَّ جبريل قالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكر بنحوه.
* * *
ومن أنواع عذابِهم: الصَّهْرُ، قال اللَّهُ تعالى:(فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) .
قال مجاهد: (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) : يذابُ به إذابةً.
وقال عطاءُ الخراسانيُّ: يذابُ به ما في بطونِهِم كما يذابُ الشحمُ.
وخرَّج الترمذيُّ من حديثِ أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"إن الحميمَ ليصبُّ على رءوسهم، فينفذ الحميمُ حتى يخلصَ إلى جوفِهِ، فيسلتُ ما في جوفِهِ حتى يمرقَ من قدميهِ وهو الصهرُ، ثم يعودُ كما كانَ " وقال: حسنٌ غريبٌ صحيح.
وقال اللَّهُ عز وجل: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) .
قال كثيرٌ من السلفِ: نزلتْ هذه الآية ُ في أبي جهلٍ.
قال الأوزاعيُّ: يؤخذ أبو جهل يوم القيامة فيخرق في رأسه خرق، ثم
يؤتى بسجل من الحميمِ فيصب في ذلك الخرق، ثم يقال له:(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) .
قال مجاهدٌ في قوله: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) .
قال: النحاس: الصُّفْر، يذاب فيصب على رءوسهم يعذبون به.
وقال عطاء الخراسانيُّ في قوله تعالى: (وَنُحَاسٌ) قال: الصُّفْر، يذاب فيصب
على رءوسهم فيعذبون به.
* * *
قال اللَّهُ تعالى: (وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) .
قال جويبر عن الضحاك: (مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) : أي: مطارقُ.
وروى ابنُ لهيعةَ عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيدٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لو أنَّ مقمعًا من حديدٍ وُضِعَ في الأرضِ فاجتمعَ له الثقلانِ لما أقلوه من الأرضِ "
خرَّجه الإمامُ أحمدُ، وخرَّج أيضًا بهذا الإسنادِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
"لو ضُرب بمقامع من حديدٍ لتفتت ثمَّ عاد".
قال الإمامُ أحمدُ في كتابِ "الزهدِ": حدثنا سيارٌ، حدثنا جعفر، سمعت
مالكَ بنَ دينار، قال: إذا أحسَّ أهلُ النارِ في النارِ بضربِ المقامع انغمسُوا في
حياضِ الحمَّيَم فيذهبونَ سفالاً، كما يغرقُ الرجلُ في الماءِ في الدنيا.
ويذهبُ سفالاً سفالاً.
قال سعيدٌ عن قتادةَ: قالَ عمرُ بنُ الخطابِ: ذكِّروهم النارَ؛ لعلَّهم
يفرقُونَ، فإن حرَّها شديدٌ، وقعرُها بعيدٌ، وشرابُها الصديدُ، ومقامعُها
الحديدُ.
وذكر ابنُ أبي الدنيا بإسنادِهِ عن صالح المريِّ أنه قرأ على بعضِ العبادِ:
(إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) .
قالَ: فشهقَ الرجلُ شهقةً، فإذا هو قدْ يبسَ مغشيًا عليهِ، قالَ: فخرجْنَا
من عندِهِ وتركْنَاهُ.
وقرأ رجلٌ على يزيدَ الضبيِّ: (وَترَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ) ، فجعلَ يزيدُ يبكي حتى غشيَ عليه.
خرَّجهُ عبدُ اللَّهِ ابنُ الإمامِ أحمدَ.
وقد سبقَ عن مالكِ بنِ دينارٍ: أنه قامَ ليلةً في وسطِ الدارِ إلى الصباح،