الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريمها إلا بظلم عظيم منهم، " وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ " الآية [الأنعام: 146]، (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا) صدًّا كثيرًا أو ناسًا كثيرًا (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنهُ) في التوراة (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) بالرشوة وغيرها (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ) دون من آمن وتاب (عَذَابًا أَلِيمًا). (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ) كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَالْمُؤْمِنُون) منهم، وقيل أي: الصحابة (يُؤْمِنُونَ) خبر المبتدأ (بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) نصب على المدح، وهو شائع في كلام الفصحاء، وقيل: مخفوض عطف على ما أنزل أي: آمنوا بإقامة الصلاة أي بوجوبه، أو المراد بالمقيمين: الأنبياء (1)(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قدم الإيمان بالقرآن والكتب، لأنه المقصود من الآية (أوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيمًا).
* * *
(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
(163)
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا
(1) قال العلَّامة السمين ما نصه:
قوله: والمقيمين «قراءةُ الجمهورِ بالياء، وقرأ جماعة كثيرة» والمقيمون «بالواو منهم ابن جبير وأبو عمرو بن العلاء في رواية يونس وهارون عنه، ومالك بن دينار وعصمة عن الأعمش، وعمرو بن عبيد، والجحدري وعيسى بن عمر وخلائق. فأما قراءة الياء فقد اضطربت فيها اقوال النحاة، وفيها ستةُ أقوال، أظهرهما: وعزاه مكي لسيبويه، وأبو البقاء للبصريين - أنه منصوبٌ على القطع، يعني المفيدَ للمدح كما في قطع النعوت، وهذا القطعُ مفيدٌ لبيان فضل الصلاة فَكَثُر الكلامُ في الوصفِ بأن جُعِل في جملة أخرى، وكذلك القطعُ في قوله {والمؤتون الزكاة} على ما سيأتي هو لبيانِ فَضْلِها أيضاً، لكن على هذا الوجه يجب أن يكونَ الخبرُ قولَه:» يؤمنون «ولا يجوز أن يكون قوله {أولئك سَنُؤْتِيهِمْ} لأن القطع إنما يكونَ بعد تمامِ الكلام. قال مكي:» ومَنْ جَعلَ نَصْبَ «المقيمين» على المدحِ جَعَلَ خبرَ «الراسخين» : «يؤمنون» ، فإنْ جَعَل الخبر «أولئك» سنؤتيهم «لم يجز نصب» المقيمين «على المدح، لأنه لا يكون إلا بعد تمام الكلام» وقال الشيخ: «ومَنْ جعل الخبرَ: أولئك سنؤتيهم فقوله ضعيفٌ» قلت: هذا غيرُ لازمٍ، لأنه هذا القائلَ لا يَجْعَلُ نصبَ «المقيمين» حينئذٍ منصوباً على القطع، لكنه ضعيفٌ بالنسبةِ إلى أنه ارتكبَ وجهاً ضعيفاً في تخريج «المقيمين» كما سيأتي. وحكى ابنُ عطية عن قومٍ مَنْعَ نصبه على القطع من أجلِ حرف العطف، والقطعُ لا يكونُ في العطف، إنما ذلك في النعوت، ولما استدلَّ الناسُ بقول الخرنق:
167 -
4 - لا يَبْعَدَن قومي الذين همُ
…
سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزْرِ
النازلين بكلِّ معتَركٍ
…
والطيبون معاقدَ الأزْرِ
على جواز القطع فَرَّق هذا القائلُ بأن البيت لا عطفَ فيه؛ لأنها قطعت «النازين» فنصبته، و «الطيبون» فرفعَتْه عن قولِها «» قومي «، وهذا الفرقُ لا أثرَ له؛ لأنه في غيرِ هذا البيت ثبت القطع مع حرف العطف، أنشد سيبويه:
167 -
5 - ويَأْوي إلى نِسْوةٍ عُطَّلٍ
…
وشُعْثاً مراضيعَ مثلَ السَّعالِي
فنصب» شعثاً «وهو معطوف.
الثاني: أن يكونَ معطوفاً على الضمير في» منهم «أي: لكن الراسخون في العلمِ منهم ومن المقيمين الصلاة. الثالث: أن يكون معطوفاً على الكاف في» إليك «أي: يؤمنون بما أُنْزل إليك وإلى المقيمين الصلاةَ وهم الأنبياء. الرابع: أن يكونَ معطوفاً على» ما «في» بما أُنْزِل «أي: يؤمنون» بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وبالمقيمين، ويُعْزَى هذا الكسائي. واختلفت عبارة هؤلاء في «المقيمين» فقيل: هم الملائكة قال مكي: «ويؤمنون بالملائكة الذين صفتُهم إقامةُ الصلاةِ كقوله: {يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]. وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم المسلمون، ويكون على حَذْفِ مضافٍ أي: وبدين المقيمين. الخامس: أن يكونَ معطوفاً على الكاف في» قبلك «أي: ومِنْ قبلِ المقيمين، ويعني بهم الأنبياءَ أيضاً. السادس: أن يكونَ معطوفاً على نفسِ الظرف، ويكونَ على حَذْفِ مضاف أي: ومن قبل المقيمين، فحُذِف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مُقامه. فهذا نهايةُ القولِ في تخريجِ هذه القراءةِ.
وقد زعم قومٌ لا اعتبارَ بهم أنهم لحنٌ، ونقلوا عن عائشة وأبان بن عثمان أنها خطأ من جهةِ غلط كاتبِ المصحف، قالوا: وأيضاً فهي في مصحفِ ابن مسعود بالواو فقط نقله الفراء، وفي مصحف أُبيّ كذلك، وهذا لا يَصحُّ عن عائشة ولا أبان، وما أحسن قولَ الزمخشري رحمه الله:» ولا يُلتفت إلى ما زعموا مِنْ وقوعِه لَحْناً في خط المصحف، وربما التفت إليه مَنْ لم ينظر في الكتاب الكتاب ومَنْ لم يعرف مذاهبَ العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغَبِيَ عليه أنَّ السابقين الأولين الذين مَثَلُهم في التوراة ومثلُهم في الإنجيل كانوا أبعدَ همةً في الغَيْرة عن الاسلام وذَبَّ المطاعنِ عنه من ان يقولوا ثُلْمَةً في كتاب اله ليسُدَّها مَنْ بعدهم، وخَرْقاً يَرْفوه مَنْ يلحق بهم «وأمَّا قراءةُ الرفعِ فواضحةٌ.
قوله: {والمؤتون} فيه سبعةُ أوجهٍ أيضاً. أظهرها: أنه على إضمار مبتدأ، ويكون من باب المدحِ المذكورِ في النصب. الثاني: أنه معطوفٌ على» الراسخون «، وفي هذا ضَعْفٌ؛ لأنه إذا قُطِع التابعُ عن متبوعِه لم يَجُزْ أن يعودَ ما بعده إلى إعراب المتبوع فلايُقال:» مررت بزيدٍ العاقلَ الفاضلِ «بنصب» العاقل «وجر» الفاضل «فكذلك هذا.
الثالث: أنه عطفٌ على الضمير المستكنِّ في «الراسخون» ، وجاز ذلك للفصل. الرابع: أنه مطعوفٌ على الضمير في «المؤمنون» الخامس: أنه معطوفٌ على الضمير في «يؤمنون» السادس: أنه معطوفٌ على «المؤمنون» ، السابع: أنه مبتدأ وخبره «أولئِك سنؤتيهم» فيكون «أولئك» مبتدأ، و «سنؤتيهم» خبره، والجملةُ خبرُ الأولِ، ويجوزُ في «أولئك» أن ينتصِبَ بفعلٍ محذوفٍ يفسِّرُه ما بعده فيكونَ من باب الاشتغال، إلا أنَّ هذا الوجهَ مرجوحٌ من جهةِ أنَّ «زيدٌ ضرتبه» بالرفع أجودُ مِنْ نصبه، لأنه لا يحوج إلى إضمار، ولأنَّ لنا خلافاً في تقديم معمول الفعل المقترن بحرف التنفيس في نحو «سأضربُ زيداً» مَنَعَ بعضهم «زيداً سأضرب» ، وشرطُ الاشتغالِ جوازُ تسلُّط العامل على ما قبله، فالأَوْلى أَنْ نَحْمِلَه على ما خلاف فيه. اهـ (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون. 4/ 153 - 156)
حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (169) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا (171)
* * *
(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) يعني شأنك في الوحي كشأن الأنبياء فما لهم والعناد معك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) أي: أولاد يعقوب ((وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ) خصهم بالذكر، لأنَّهُم أشرف الأنبياء وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)
(وَرُسُلاً) نصب على مضمر يدل عليه أوحينا أي: أوحينا إليك وأرسلنا رسلاً أو على مضمر يفسره قوله: (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ) في السور المكية (وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) نصب على المدح أو على الحال أو على تقدير أرسلنا (مُّبَشِّرِينَ) بالثواب على الطاعة (وَمُنْذِرِينَ) بالعقاب على المعصية (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فيقولوا ما أرسلت إلينا رسولاً يعلمنا الدين متعلق: بـ " أرسلنا " وبـ " منذرين " ومبشرين وأحد المجرورين خبر كان، والآخر حال والظرف لحجة (وَكَانً اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) فيما أراد ودبر (لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) استدراك عما فهم من قبل من تَعَنُّتِهِمْ بأنَّهم لا يشهدون (بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ) من القرآن الدال على نبوتك (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) متلبسًا بعلمه الذي
أراد أن يطلع عباده من صفاته ومغيباته وأوامره ونواهيه، أو أنزله عالمًا بأنك أهل لإنزاله إليك (وَالْمَلاِئكَةُ يَشْهَدُونَ) أيضًا بنبوتك نزلت في جماعة من اليهود قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني والله أعلم أنكم لتعلمون أني رسول الله، فقالوا: ما نعلم ذلك "(وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً) فإنه أقام الحجج والبينات الواضحة على صحة نبوتك (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا) فإنهم جمعوا بين الضلال والإضلال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) محمدًا صلى الله عليه وسلم بكتمان نعته أو الناس بصدهم أو أنفسهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) بعد ما ماتوا عليه أو هذا فيمن علم أنه يموت على الكفر (وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) إلى النجاة (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) استثناء منقطع أو متصل على السخرية (خَالِدِينَ) حال مقدرة (فيهَا أَبَدًا وَكَان ذلِكَ) أي: عدم الغفران والخلود (عَلَى اللهِ يَسِيرًا يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) لما قرر أمر النبوة وأوعد المنكر خاطب الناس بالدعوة (فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) أي: إيمانًا خيرًا لكم أو ائتوا أمرًا خيرًا لكم مما أنتم عليه أو يكن الإيمان خيًرا لكم (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فهو الغني عنكم (وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا) بأحوالكم (حَكِيمًا) فيما أراد لكم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) النصارى تجاوزوا الحد في عيسى عليه السلام بل في الأحبار، كما قال:" اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا "(التوبة: 31)، (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ) لا تفتروا عليه (إِلا الحَقَّ) لكن قولوا الحق فنزهوه عن شريك وولد (إِنَّمَا