الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ): عقب النهي بالوعيد مبالغة في التهديد، (فَإِن طَلقَها)، أي: بعد اثنتين، فهو مرتبط بقوله:" الطلاق مرتان "، نوع تفسير لقوله:" أو تسريح بإحسان "، وذكر بينهما الخلع دلالة على أن الطلاق يكون مجانًا تارة وبعوض أخرى، (فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) أي: بعد ذلك الطلاق (حَتى تَنكِحَ زَوْجًا غيْرَهُ) أي: حتى يطأها زوج آخر، يعني في نكاح صحيح، أو المراد من النكاح: العقد، والإصابة قد علم من الأحاديث الصحاح، (فَإِنْ طَلَّقَهَا): الزوج الثاني (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا)، بنكاح جديد (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ): من حقوف الزوجية، (وَتِلْكَ) أي: الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ): يفهمون، ثم اعلم أن شرط التحليل في النكاح فاسد إلا عند أبي حنيفة، وقد صح " لعن الله المحلِّلَ والمحلَّلَ له "، والخلاف في أن الناكح بنية التحليل هو المحلل أم لا، وكلام السلف يدل على أنه المحلل الملعون.
* * *
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(231)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
* * *
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ)، الأجل يطلق للمدة ولمنتهاها والبلوغ: الوصول، وقد يقال للدنو على الاتساع، وهو المراد هاهنا، (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف): راجعوهن من غير ضرار، (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوف): أو خلوهن لتنقضي عدتهن من غير تطويل، وهذا إعادة لبعض ما سبق للاهتمام به، (وَلَا تُمْسِكُوهنَّ ضِرَارًا): لا تراجعوهن إرادة إضرارهن كما سبق (لتَعتدُوا)
لتظلموهن بالتطويل والإلجاء إلى الافتداء وهو عين الضرر، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بتعريضها للعقاب، (وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا) كان الرجل يطلق أو يعتق أو ينكح فيقول: كنت لاعبًا فنزلت، (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ): التي منها الهداية، (وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ): القرآن، (وَالْحِكْمَةِ): السنة، وقيل: مواعظ القرآن، أفردهما بالذكر لشرفهما (يَعِظُكُمْ بِهِ): بما أنزل، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تأكيد وتهديد.
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي: انقضت عدتهن (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ):
لا تمنعوهن أيها الأولياء، وقيل: الضمير للناس كلهم، أي: لا يوجد فيما بينكم هذا الأمر، (أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) أي: الذين كانوا أزواجًا لهن، نزلت في أخت معقل بن يسار، طلقها زوجها، فلما انقضت عدتها جاء يخطبها، ومعقل منع أن يتزوجها، (إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ) أي: الخطاب والنساء، وهو ظرف لا تعضلوهن أو لأن ينكحن، (بِالْمَعُروف): بما يعرفه الشرع، وهو حال عن الفاعل، (ذلِكَ) أى: النهي والخطاب لكل أَحد، أو الكاف لمجرد الخطاب دون تعيين المخاطب، أو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، يعني: ما أنزل إليك وقلنا لك (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ) أي: ترك العضل، (أَزْكى): أنفع (لَكُمْ وَأَطْهَرُ). من دنس الإثم، (وَاللهُ يَعْلَمُ)، النافع الصالح، (وَأَنتمْ لَا تَعْلَمونَ): لقصور علمكم.
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ)، لفظه خبر ومعناه أمر، على سبيل الاستحسان، (أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ): سنتين، (كَامِلَيْنِ): تحديدًا لا تقريبًا (لِمَنْ أَرَادَ)، أي: ذلك لمن أراد (أَن يُتمَّ الرَّضَاعَةَ) فعلم أن أقصى مدتها سنتان، ولا اعتبار بالرضاعة بعدهما وعليه السلف وأنه يجوز أن ينقص عنهما، (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) أي: الأب، وعبر عنه بهذه العبارة إشارة إلى جهة وجوب المؤن عليه (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ)، أي: على والد الطفل نفقة أمه المطلقة مدة الإرضاع (بِالْمَعْرُوفِ) حسبما يراه الحاكم وهو يقدر، (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) تعليل للتقييد بالمعروف ولإيجاب المؤن، (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) بأن تدفعه عن نفسها لمضرة أبيه بتربيته، بل عليها إرضاعه، (وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ)، أي: الأب (بِوَلَدِهِ) بأن ينزع عنها إضراراً لها، ولا
" تضار " إلخ تفصيل لما قبله، أي: لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه ولا يضاره بسبب الولد، (وَعَلَى الوَارِث) عطف على " وعلى المولود له "، وما بينهما تعليل معترض، أي: وعلى وارث الأب وهو الصبي نفسه، فإنه إذا مات أبوه فمؤن مرضتعه من ماله إن كان له مال وإلا تجبر الأم، أو المراد وارث الطفل، يعني إن مات الأب يجبر جميع ورثة الطفل على فرض موته -عصبة كانوا أو غيرهم- على نفقة مرضعته، أو يجبر وارث الطفل المحرم منه بحيث لا يجوز النكاح بينهما على تقدير أن يكون أحدهما ذكرًا والآخر أنثى لا الجميع، أو عصبات الطفل فقط (مِثْلُ ذَلِكَ): مثل ما على والده من الإنفاق وعدم الإضرار أو المراد عدم الإضرار فقط لا الإنفاق، (فَإِنْ أَرَادَا) أي: الأبوان (فِصَالاً): فطامًا صادرًا (عَن تَرَاضٍ منْهُمَا وَتَشَاوُرٍ): بينهما قبل الحولين (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا): في ذلك ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد في الفطام (وَإِنْ أَرَدتمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا): المراضع (أَوْلادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ): إلى المراضع، (مَّا آتيتم)، أي: أردتم إيتاءه، يعني: أجرتها، أو إلى الأمهات أجرتهن بقدر ما أرضعن (بِالْمَعْرُوفِ): بالوجه المتعارف
شرعًا ومروءة، ونفى الجناح مقيد بالتسليم لا لأنه شرط جواز الاسترضاع، بل إرشاد إلى أن الأكثر ثوابًا أن يكون الاسترضاع مقرونًا بتسليم ما يعطى المرضع، فشبه ما هو من شرائط الأولوية بما هو من شرائط الصحة، فاستعيرت له العبارة مبالغة، (وَاتَّقُوا اللهَ): في محافظة حدوده، (وَاعْلَموا أَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، حث
وتهديد، (وَالَّذِينَ يُتَوَفوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ): ويتركون، (أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ): يحملنها على التوقف، خبر في معنى الأمر، (أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ وَعَشْرًا)، أى: عشر ليال، وتقديره وأزواج الذين، أو تقديره يتربصن بعدهم، لأنه لابد من الضمير في الخبر إذا كان جملة، وخص عنه الحامل لقوله:" وأولات الأحمال أجلهن "[الطلاق: 4] إلخ، والجمهور على أن عدة الأمة نصفها، (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ): انقضت عدتهن، (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكمْ): أيها الأولياء أو المسلمون، (فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ): من التعرض للخطاب والتزين، (بِالْمَعْروفِ): بوجه لا ينكره الشرع، (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير)، فيجازيكم عليه، (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ)، التعريض: إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازًا، كقول المحتاج: جئتك لأسلم عليك، (مِنْ خِطْبَةِ)، الخطبة بالكسر: طلب المرأة، (النِّسَاءِ): المعتدات للوفاة، كقولك: إنك جميلة وإن النساء من حاجتي ونحوه، وحرم التصريح بخطبتهن، وأما الرجعية فحرام على غير زوجها التصريح والتعريض، (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ): أضمرتم فيه من غير تصريح ولا تعريض، (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ)، أي: في أنفسكم فرفع عنكم الحرج في ذلك، (وَلَكِن)، أي: