الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة بعثوا ليعلموا الناس، أو نزلت يوم أحد حين شج في رأسه الأشرف، ويقول " كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيّهم؟! "(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)، عطف على الأمر بإضمار أن أي: ليس لك من أمرهم شيء أو من التوبة عليهم أو تعذيبهم أو على شيء أي ليس لك من أمرهم شيء، أو التوبة أو تعذيبهم أو بمعنى إلا أن أي: ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب عليهم فتفرح بحالهم أو يعذبهم فتتشفى منهم، أو عطف على أو يكبتهم، (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) اعتراض وقع في البين، وأنت تعلم أن هذا توجيه لو يلائمه سبب النزول يلائم اللفظ والمعنى، (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ): استحقوا التعذيب.
(وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ): خلقًا وملكًا فالأمر له لا لغيره، (يَغفِرُ لِمَن يَشَاءُ): غفرانه، (وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ): تعذيبه، (وَاللهُ غَفُورٌ رحِيمٌ): فلا تبادر إلى اللعن، والدعاء عليهم.
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(130)
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً)، أي: لا تزيدوا زيادات مكررة فإنهم إذا بلغ الدَّين محله زادوا في الأجل؛ فاستغرقوا بالشيء الحقير مال المديون، (وَاتقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون): راجين الفلاح، (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ): بالتحرز عن متابعتهم، وفيه تنبيه على أن النار بالذات للكافر وبالعرض للعاصي، (وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُو ا): بادروا، (إِلَى مَغفرَةٍ من ربَكُمْ): أعمال توجب المغفرة، كالإسلام، والتوبة، وأداء الفرائض، (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) أي: عرضها كعرضهما قيل فيه تنبيه على اتساع طولها كما قال تعالى: (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)[الرحمن: 54] أي: فما ظنك بالظهائر؟! وقيل عرضها كطولها؛ لأنها قبة تحت العرش، (أُعِدَّتْ): هيئت، (لِلْمُتَّقِينَ)، فالجنة بالذات للمتقين، وبالعرض لفساق المؤمنين، (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ)، صفة مادحة لهم، (فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاءِ): في اليسر والعسر أو المراد جميع الأحوال؛ لأنه لا يخلو الإنسان منهما، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ): الكافين عن إمضائه مع القدرة
عليه، (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ): التاركين عقوبة من استحقها، (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ): إشارة إلى أن هؤلاء في مقام الإحسان، (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً): قبيحة بالغة في القبح، نزلت حين قال المؤمنون:" كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا؛ لأنَّهُم إذا أذنبوا ذنبًا أصبحت كفارة ذنوبهم مكتوبة على عتبة أبوابهم، أو نزلت لرجل قبَّل امرأة وعانقها ثم ندم، وقيل الفاحشة الزنا والكبائر، (أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ): بالصغائر وما دون الزنا، (ذَكَرُوا الله): أي: وعيده، أو ذكروه باللسان: (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)، استفهام بمعنى النفي معترض بين المعطوف والمعطوف عليه دال على سعة رحمته، (وَلَمْ يُصِروا عَلَى مَا فَعَلوا): لم يقيموا على ذنوبهم، بل أقروا واستغفروا وفي الحديث " ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة "، (وَهُمْ يَعْلَمُون): أنها معصية أو أن الإصرار ضار أو أن الله يملك مغفرة الذنوب، أو أنَّهم إن استغفروا غفر لهم (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغفرَةٌ مِّن ربِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا)، أي: من تحت غرفها وأشجارها (الأَنهَارُ خَالِدِينَ فيهَا)، خبر للذين إذا فعلوا إن جعلته مبتدأ، وإلا فجملة مستأنفة مبينة لما قبلها، (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) أي: ذلك، يعني المغفرة والجنات، وكم فرق بين القبيلتين فصل آيتهم بالمحبة والإحسان، وفصل آية هؤلاء بالعمل والأجر، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) أي: وقائع سنها الله في الأمم الماضية، وقيل معنى السنن
الأمم، (فَسِيروا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ): فتعتبروا ولا تحزنوا على ما وقع عليكم يوم أحد فإني آخذهم أشد الأخذ عاقبة الأمر لما فرغ عن حديث الربا الذي هو حرب مع الله كما قال الله استأنف حديث الجهاد الأكبر الذي كان الكلام فيه، (هَذا بَيَانٌ للنَّاسِ) أي: القرآن، وقيل إشارة إلى مفهوم قد خلت، أو فانظروا أي: القرآن بيان الأمور للناس عامة، (وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ للْمُتَّقِينَ) أي زيادة بصيرة، وزاجر لهم خاصة، (وَلَا تَهِنوا وَلَا تَحْزنوا): لا تضعفوا عن الحرب بسبب غلبة الكفار يوم أحد، ولا تحزنوا على ما وقع عليكم، (وَأَنتم الأَعْلَوْن)، والحال إنكم الأعلى والغالب في الدنيا والآخرة، والعاقبة لكم، والخسار لهم، (إِن كُنتُم مؤْمِنِينَ) متعلق بـ لا تهنوا أي: لا تهنوا إن صح إيمانكم؛ فإن الإيمان يورث قوة القلب، ويمكن أن يتعلق بـ أنتم الأعلون أي: غلبتكم، ونصرتكم متحققة إن كنتم
مؤمنين أي: إن كان إيمانكم متحققًا فالنصرة متحققة، (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ): جراح وكسر يوم أحد، (فقَدْ مَسَّ القَوْمَ): المشركين، (قَرْحٌ مِثْلُهُ): يوم بدر، ولم يجبنوا فأنتم أحق ألا تهنوا، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) أي: أيام الدنيا أو أيام الغلبة، (نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ): نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة، وتارة لهؤلاء، وهو خبر لتلك، والأيام صفتها، (وَلِيَعلمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا): علم رؤية ومشاهدة أي: ليتميزوا عن المنافقين، وهو عطف على علة محذوفة أي: نداولها ليكون كذا، وكذا، أو ليعلم الله إشارة إلى تعدد العلة أو تقديره: وليعلم الله الذين آمنوا فعلنا ذلك، (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ)، وليكرم قومًا بالشهادة في سبيله، (وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظالِمِينَ): يعني: غلبتهم لا لمحبتهم بل لما ذكرنا، (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: ليطهرهم من الذنوب بما يقع عليهم من قتل وجرح، وجملة " والله لا يحب الظالمين " معترضة، (وَيَمْحَقَ الكَافرِينَ): يهلكهم فإنهم إذا ظفروا بغوا فهو سبب هلاكهم أو مغلوبية المؤمنين لتطهيرهم، ومغلوبية الكفار لإهلاكهم في الدارين، والمحق نقص الشيء قليلَاّ قَليلاً.
(أَمْ حَسِبتمْ): بل أحسبتم (أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا منكُمْ)(1) أي: لا تحصل الجنة لكم حتى يرى الله منكم المجاهدين، ويبتليكم بالشدائد أو معناه لا تحصل لكم والحال أنكم لما تجاهدوا كما يقال: ما علم الله في فلان خيرًا، أي: مما فيه خير، (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ): ويرى الصابرين على القتال، أو نصبه بإضمار أن، والواو بمعنى الجمع، (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي: الشهادة أو الحرب فإنها من أسباب الموت، (مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ): تشاهدوا وتعرفوا شدته، (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
(1) لما كان علم الله بالشيء من لوازم تحققه جعل عدم العلم كناية عن عدم ذلك الشىء فصار معنى لم يعلم الله الجهاد لم يجاهد فلما بمعنى لم إلا أن فيه ضربًا من التوقع فدل على نفى الجهاد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يستقبل.