الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنهم إذا ماتوا واحتاجوا غاية الاحتياج إلى أعمالهم، فقدوها بمرة، (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)، لكي تتفكروا فتعتبروا.
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
(267)
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا): تصدقوا، (مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ): حلاله وخياره (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)، أي: من طيبات ما أخرجنا من الحبوب والثمار والمعادن، (وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ): لا تقصدوا الرديء، (مِنْه تُنفقُون)، حال من الفاعل، أو من المفعول، ومنه متعلق به، والضمير للخبيث، أي تخصونه بالإنفاق، أو منه حال من الخبيث، والضمير للمال، كانت الأنصار يعلقون أقناء البسر على حبل في مسجد المدينة للفقراء، فتعمد الرجل منهم إلى الحشف، فأدخله مع أقناء البسر، فأنزل الله فيمن فعله " ولا تيمموا " إلخ، (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)، أي: والحال أنكم لا تأخذونه في حقوقكم، إلا
بإغماض بصر ومساهلة، فلا تجوزوا في حق الله ما لا تجوزون في حقوقكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه: لو كان لكم على أحد حق، فجاء بحق دون حقكم، لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ)، عن إنفاقكم (حَمِيدٌ)، بقبوده وإثابته، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ): يخوفكم الفقر لتبخلوا ولا تنفقوا في مرضات الله، (وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ): بالبخل، أو المعاصي مطلقًا، (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ)، الوعد للخير والشر، أي: يعدكم جزاء إنفاقكم مغفرة ذنوبكم، (وَفَضْلًا)، خلفًا أفضل مما أنفقتم (وَاللهُ وَاسِعٌ): واسع الفضل (عَلِيمٌ): بالإنفاق، (يُؤْتِي الحِكْمَةَ): تفسير القرآن، أو الإصابة في القول، أو خشية الله، أو الفهم، أو السنة، أو الفقه في الدين، أو العقل، أو النبوة، (مَن يَشَاءُ)، مفعول أول، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، فِي الحديث " لا حسد إلا في
اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها "، (وَمَا يَذّكرُ): ما يتعظ بالآيات، (إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ): ذوو العقول، (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نفَقَةٍ)، قليلة أو كثيرة، حق أو باطل (أَوْ نَذَرْتُم مِّن نذْرِ)، في طاعة، أو معصية (فإن الله يَعْلَمُهُ)، فيجازيكم عليه (وَمَا لِلظَّالِمِينَ): الذين يضعون المال في غير موضعه، (مِنْ أَنْصَارٍ): ينصرونهم ويمنعونهم من العقوبة، (إِن تُبْدُوا الصدقَات فَنِعِمَّا هِيَ): إن أظهرتموها فنعم شيئًا إبداؤها (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ)، تعطوها مع إخفائها، (فَهُوَ)، أي: إخفاؤها، (حيْرٌ لكُمْ)، والآية عامة في كل صدقة، لكن عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن السر في التطوع أفضل من العلانية بسبعين ضعفًا، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل بخمسة وعشرين ضعفًا، (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) أي: الله، أو الإخفاء، ومن قرأ مجزومًا فهو عطف على محل جواب الشرط (مِّن سَيِّئَاتِكُمْ)، " من " للتبعيض، أو لتبيين الجنس، أي يكفر شيئًا، هو السيئات (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، ترغيب في الإخفاء (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ) أي لا يجب عليك جعل الناس مهديين، فإنه ليس في يدك وقدرتك، ولكن الهداية من الله، (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ) أي: ثوابه، فلا تمنوا على أحد، (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ)، الواو حال، أو عطف، يعني: المؤمن لا ينفق إلا لمرضات الله،
وقيل: نفي في معنى النهي، قال عطاء الخراساني: معناه: إذا أعطيت لوجه الله، فلا عليك ما كان عمله، فإنك مثاب لنيتك، سواء كان السائل مستحقًا أو غيره، برًا أو فاجرًا (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَ إِلَيْكُمْ): ثوابه، (وَأَنتمْ لَا تُظْلَمُونَ)، فلا ينقص ثواب صدقاتكم، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بأن لا يتصدق إلا على المسلمين، حتى نزلت ليس عليك هداهم، فأمر بالصدقة بعدها على كل سائل من كل دين "، وهذا في التطوع، أما الواجب، فلا يجوز صرفه إلى الكافر (لِلْفُقَراءِ) أي: الصدقات لهم، وهم الأولى والأحق، وإن جاز صرفها إلى غيرهم كما علم من الآية الأولى (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ)، حبسوا أنفسهم في الجهاد، أو أصحاب الصفة، الذين انقطعوا بكليتهم إلى الله (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ): ذهابًا فيها للتجارة لاشتغالهم بالجهاد، أو بالله (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ) بحالهم، (أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) من أجل