الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنبياء منا فنحن أولى بالله منكم، (وَهُوَ ربنَا وَرّبكُمْ): لا اختصاص له بقوم دون قوم، (وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ): لكل جزاء عمله فليس ببعيد أن يكرمنا الله تعالى، (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ): موحدون، أي: لنا هذا المزيد دونكم، (أَمْ تَقُولُونَ)، أم منقطعة والهمزة للإنكار، (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ)، " ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا " (آل عمران: 67)، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ)، يقرأون في التوراة أن الدين الإسلام وأن هؤلاء الأنبياء برآء من اليهودية والنصرانية، فشهد الله بذلك فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك، (وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، وعيد لهم، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، كرر مبالغة في الزجر عما في الطباع من الاتكال بالأشراف من الآباء، قيل: الخطاب فيما سبق لأهل الكتاب وفي الآية لنا، وقيل: المراد بالأمة في الأول: الأنبياء وفي الثاني: أسلاف أهل الكتاب.
* * *
(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(142)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِ النَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
* * *
(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ): اليهود ومشركو مكة، (مَا وَلَّاهُمْ): ما صرفهم، (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)، وهي الصخرة، (قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ
وَالْمَغرِبُ): ملكًا لا يختص به مكان دون مكان، (يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ): تقتضيه الحكمة فتارة إلى الصخرة ثم إلى الكعبة، (وَكَذَلِكَ): كما هديناكم صراطًا مستقيمًا، وقيل إشارة إلى ولقد اصطفيناه في الدنيا، أي: كما اخترنا إبراهيم عليه السلام، (جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا): عدولا خيارًا، (لتَكُونوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ): على صدقكم، (شَهِيدًا)، وذلك لأن الأمم يجحدون يوم القيامة تبليغ الأنبياء، فالأنبياء يأتون بأمة محمد عليه الصلاة والسلام فيشهدون بالتبليغ، فتقول الأمم: من أين عرفتم؟، فيقولون: أخبرنا نبينا في كتابه، ثم يزكيهم محمد عليه الصلاة والسلام، (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِى كُنتَ
عَلَيْهَا)، أي: أصل أمرك استقبال الكعبة، فإنها قبلة إبراهيم، لكن جعلنا قبلتك بيت المقدس، وقوله:" التي كنت عليها " أحد مفعولي جعل، أي: الجهة التي كنت عليها، وقيل: تقديره وما جعلنا تحويل القبلة التي كنت عليها، وعلى هذا التي صفة القبلة أقول والله أعلم بمراده: يحتمل أن يراد من التي كنت عليها الكعبة، أي: خاطرك مائل إليها، فإن الأصح أن القبلة قبل الهجرة الصخرة لكن خاطره الأشرف مائل إلى أن تكون الكعبة قبلة، (إِلَّا لِنَعْلَمَ): علمًا حاليًا يتعلق به الجزاء، (مَن يَتَّبِعُ الرَّسولَ): عند نسخ القبلة، (مِمَّن يَنقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ): يرتد، والظاهر أن تقديره متميزًا، ممن ينقلب حال من فاعل يتبع، أو ثاني مفعولي نعلم، وقد نقل أن كثيرًا من المسلمين ارتدوا عند تحويل القبلة، ظنًا منهم أن هذا حيرة منه عليه الصلاة والسلام، (وَإِن كانَتْ)، أي التولية، وإن مخففة، (لَكَبيرَةً): ثقيلة، (إِلا عَلَى الّذِينَ هَدَى الله)، أي: هداهم الله، (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) بالقبلة الأولى، وتصديقكم واتباعكم نبيكم في القبلة الثانية، أو صلاتكم إلى الصخرة، ففى
الصحيح أن الصحابة سألوا كيف حال إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى؟
فنزلت، (إِنَّ اللهَ بِ النَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)، فلا يضيع أجورهم والرءوف أبلغ من الرحيم، (قَدْ نَرَى تَقَلبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)، أي: تردد وجهك في جهة السماء انتظارًا لجبريل والوحي بتغيير القبلة، فإنه يحب أن تكون " قبلةً " قبلة أبيه إبراهيم، (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ)، نمكننك استقبال قبلة من وليته كذا، أي صيرته واليًا له، (قِبْلَةً تَرْضَاهَا)، تحبها، (فَوَلِّ): اصرف، (وَجْهَكَ شَطْر المَسْجِدِ الحَرَامِ)، أي: نحوه، (وَحيثُ مَا كُنتُمْ)، من بر وبحر، وهو بمعنى الشرط، أي: أينما كنتم فالفاء، (فَوَلوا)، للجزاء، (وُجُوهَكُمْ شَطْرهُ)، حين الصلاة، (وَإِن الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ): اليهود، (لَيَعْلَمُونَ أنَّهُ): أمر الكعبة، (الحَقُّ من ربهِمْ)، ليقينهم بحقية محمد عليه الصلاة والسلام، وبأن الكعبة قبلة إبراهيم، (وَمَا اللهُ بغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ): من العلم وكتمانه، (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آية): دالة على أن الكعبة قبلة، (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ)، لأنَّهُم حساد جاحدون، (وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ)، قطع لأطماع اليهود الرجوع إلى الصخرة ثانيًا، (وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِع