الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ) قرآن (فَصَّلْنَاهُ) بينا مواعظه وأحكامه (عَلَى عِلْمٍ) منا بما فصلناه به حال من المفعول (هُدًى وَرَحْمَةً) نصبهما بالحال من المفعول (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ) ينتظرون (إِلا تَأوِيلَهُ) ما يئول إليه أمر الكتاب من صدق وعده ووعيده وكذبهما (يَوْمَ يَأتِي تَأوِيلُهُ) وهو يوم القيامة (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ) تركوا الإيمان به والعمل له (مِن قَبْلُ) قبل إتيانه أي: في الدنيا (قَدْ جَاءَتْ رُسُل ربنَا بِالْحَقِّ) ونحن كذبناهم (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا) اليوم (أَوْ نُرَدُّ) أي: هل نرد إلى الدنيا؛ (فَنَعْمَلَ) جواب هل نرد (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بصرف العمر في الكفر (وَضَلَّ) غاب وبطل (عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي: لم ينفعهم آلهتهم.
* * *
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(54)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
* * *
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي: في مقدار ستة أيام الدنيا أو أيام الآخرة كل يوم ألف سنة (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)
أجمع السلف على أن استواءه على العرش صفة له بلا كيف نؤمن به ونكل العلم إلى الله تعالى وليس المراد منه خلق العرش بعد السماوات والأرض كما فسر بعض العلماء (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) يغطيه به وفيه حذف، أي: ويغشى النهار الليل ولم يذكر للعلم
به (يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) يعقبه سريعًا كالطالب له لا يفصل بينهما شيء، والجملة حال من النهار وحثيثًا صفة مصدر، أي: طلبًا سريعًا (وَالشَّمْسَ) عطف على السماوات (وَالْقَمَرَ وَالنجُومَ مُسَخَّرَاتٍ) نصب على الحال (بِأَمْرِهِ) بقضائه وتصريفه (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) لا خالق إلا هو (وَالأمْرُ) لا يجري في ملكه إلا ما يشاء (تَبَارَكَ اللهُ) تعالى وتعظم (رَبُّ الْعَالَمِينَ).
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضرعًا وَخُفْيَةً) أي: ذوي تذلل واستكانة وخفية، فالأصح أنه يكره الصياح والنداء في الدعاء (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المتجاوزين في شيء أمروا به ومنه الإطناب في الدعاء بمثل مسألة الجنة ونعيمها وإستبرقها وقصورها وأمثال ذلك (وَلا تُفسِدُوا في الأرضِ) بالشرك والمعاصي (بَعْدَ إِصْلاحِهَا) ببعث الأنبياء، وقيل: لا تفسدوا بالمعاصي فإن من شؤمها يمسك المطر فتخرب الأرض بعدما كانت مخضرة (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا) من عقابه وثوابه حالان من الفاعل (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) المطيعين في أمره ونهيه لم يقل قريبة، لأن الرحمة بمعنى الثواب ولاكتساب المرجع التذكير من المضاف إليه كما صرح الزمخشري في " ما إن مفاتحه لينوء " [القصص: 76]، بالياء التحتانية (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا) جمع بشير
يبشر بالمطر، أي: باشرات، أو للبشارة، ومن قرأ نُشُرًا بالنون وضمها وشين مضمومة أو ساكنة أو فتح النون وسكون الشين فمن النشر أي: ناشرات للسحاب الثقال (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قدام المطر قيل: الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ) حملت الرياح (سَحَابًا) أي: سحائب (ثِقَالًا) بما فيها من الماء (سُقْنَاهُ) أي: السحاب (لِبلَدٍ ميِّتٍ) لأجل أرض لا نبات فيها (فَأَنْزَلْنَا بِهِ) بالبلد أو بسبب السحاب (الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ) بسبب الماء أو بالبلد فالباء للظرفية (مِن كُلِّ) أنواع (الثمَرَاتِ كَذَلِكَ) مثل إخراج الثمرات وإحياء البلد (نُخْرِجُ الْمَوتى) من قبورهم بعد إحيائهم (لَعَلكُمْ تَذَكرُونَ) أن من قدر على ذلك قدر على هذا (وَالْبلَدُ الطيِّبُ) أي: أرض كريمة التربة (يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) بمشيئته وتيسيره سريعًا حسنًا (وَالذِي خَبُثَ) ترابه (لا يَخْرُجُ) أي: نباته حذف المضاف وأقيم المضاف إليه، أي: الضمير المجرور مقامه فصار مرفوعًا مستترا (إِلَّا نَكِدًا) بطيئًا عديم النفع ونصبه على الحال (كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ) نبينها مكررًا (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) فيتفكرون في الآية وهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر.
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا) جواب قسم محذوف (نوحًا إِلَى قَوْمِهِ) لما ذكر قصة آدم في أول السورة شرع في قصص الأنبياء (فقَالَ يَا قَوْمِ اعبدُوا اللهَ) أي: وحده (مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) صفة إله باعتبار محله (إِني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) القيامة