المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

للكافرين وبشير للمؤمنين فمتعلق النذير محذوف، ونزلت حين قالت قريش: - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ١

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده:

- ‌موطنه:

- ‌أبوه:

- ‌اجتهاده العلمى:

- ‌1 - التفسير:

- ‌2 - الحديث:

- ‌3 - اعتقاده:

- ‌مذهبه:

- ‌لغته:

- ‌وفاته:

- ‌كتبه:

- ‌المقدمة للمفسر رحمه الله تعالى

- ‌سورة الفاتحة

- ‌(1)

- ‌سورة البقرة

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(21)

- ‌(30)

- ‌(40)

- ‌(47)

- ‌(60)

- ‌(62)

- ‌(72)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(97)

- ‌(104)

- ‌(113)

- ‌(122)

- ‌(130)

- ‌(142)

- ‌(148)

- ‌(153)

- ‌(164)

- ‌(168)

- ‌(177)

- ‌(183)

- ‌(189)

- ‌(197)

- ‌(211)

- ‌(217)

- ‌(222)

- ‌(229)

- ‌(231)

- ‌(236)

- ‌(243)

- ‌(249)

- ‌(254)

- ‌(258)

- ‌(261)

- ‌(267)

- ‌(274)

- ‌(282)

- ‌(284)

- ‌سورة آل عمران

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(21)

- ‌(31)

- ‌(42)

- ‌(55)

- ‌(64)

- ‌(72)

- ‌(81)

- ‌(92)

- ‌(102)

- ‌(110)

- ‌(121)

- ‌(130)

- ‌(144)

- ‌(149)

- ‌(156)

- ‌(172)

- ‌(181)

- ‌(190)

- ‌سورة النساء

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(34)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(60)

- ‌(71)

- ‌(77)

- ‌(88)

- ‌(92)

- ‌(97)

- ‌(101)

- ‌(105)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(127)

- ‌(135)

- ‌(142)

- ‌(153)

- ‌(163)

- ‌(172)

- ‌سورة المائدة

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(13)

- ‌(20)

- ‌(27)

- ‌(35)

- ‌(44)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(67)

- ‌(78)

- ‌(87)

- ‌(94)

- ‌(101)

- ‌(109)

- ‌(116)

- ‌سورة الأنعام

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(21)

- ‌(31)

- ‌(42)

- ‌(51)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(71)

- ‌(83)

- ‌(91)

- ‌(95)

- ‌(101)

- ‌(111)

- ‌(122)

- ‌(130)

- ‌(141)

- ‌(145)

- ‌(151)

- ‌(155)

- ‌سورة الأعراف

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(26)

- ‌(32)

- ‌(40)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(65)

- ‌(73)

- ‌(85)

- ‌(94)

- ‌(100)

- ‌(109)

- ‌(127)

- ‌(130)

- ‌(142)

- ‌(148)

- ‌(152)

- ‌(158)

- ‌(163)

- ‌(172)

- ‌(182)

- ‌(189)

الفصل: للكافرين وبشير للمؤمنين فمتعلق النذير محذوف، ونزلت حين قالت قريش:

للكافرين وبشير للمؤمنين فمتعلق النذير محذوف، ونزلت حين قالت قريش: ألا تعلم الرخص قبل الغلاء فتشتري وتربح والأرض التي تريد أن تجدب فترتحل إلى المخصبة.

* * *

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ‌

(189)

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ

ص: 679

الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)

* * *

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة) آدم (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) خلق من ضلع آدم حواء (لِيَسْكُنَ) ليطمئن (إِلَيْهَا) ويأنس بها فإنها جزءه (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا) جامعها (حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا) عليها يعني النطفة (فَمَرَّتْ بِهِ) استمرت به أو قامت وقعدت بالحمل لخفته (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) صارت ذات ثقل لكبر الولد (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا) بشرًا سويًّا فإنهما أشفقا أن يكون بهيمة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لك (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا)(1) لما حملت حواء جاءها إبليس في غير صورته وقال: هذا الذي في بطنك ربما يكون بهيمة، وهل تدري من أين يخرج فخوفها مرارًا كثيرة ثم قال: لي عند الله منزلة وإن دعوت أن يخرج سالمًا سويًّا أتسميه عبد الحارث وهذا اسم إبليس في الملائكة، فلم يزل بها حتى غرها فسمته عبد الحارث بإذن من آدم ولم تعرف حواء أنه إبليس وقد صح هذا النقل عن ابن

(1) قال قتادة أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة.

ص: 680

عباس رضي الله عنهما وكثير من السلف والخلف، وهذا ليس بشرك حقيقي لأنهما ما اعتقدا أن الحارثَ ربُّه بل قصدا إلى أنه سبب صلاحه فسماه الله تعالى شركًا للتغليظ ويكون لفظ شركاء من إطلاق الجمع على الواحد (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فإن الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في الاسم، وعن الحسن البصري رحمه الله يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادًا فهودوا ونصروا، وعلى هذا تقدير الآية جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما فسموه عبد شمس وعبد مناف وغيرهما، فحذف المضاف وهو الأولاد وأقيم المضاف إليه مقامه، وقوله:" شركاء " و " تعالى الله عما يشركون " بلفظ الجمع يدل عليه قيل معناه هو

ص: 681

الذي خلق آل قصي وهم قريش من نفس واحدة وهو قصي فجعل من جنسها زوجها عربية قرشية فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد المناف وعبد العزي وعبد قصي وعبد الدار وقيل تم الكلام عند قوله آتاهما ثم ذكر كفار مكة فقال: " فتعالى الله عما يشركون "(1)(أَيُشْرِكُونَ) ابتداء كلام وإنكار على المشركين (مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا) كالأصنام (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) مخلوقون لله جيء بضمير العاقلين بناء على اعتقادهم وتسميتهم إلهًا (وَلا يَسْتَطعُونَ لَهُمْ) لِعُبَّادهم (نَصْرًا وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) لا يقدرون على دفع مكروه كمن أراد كسرهم (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أي: الأصنام أو المشركين (إِلَى الْهُدَى) إلى أن يهدوكم أو إلى الإسلام (لا يَتَّبِعُوكُمْ) إلى مرادكم ولا يجيبوكم (سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) أي: سواء إحداثكم دعاءهم واستمراركم على الصمت عن دعائهم فإن الكفار إذا نزل عليهم أمر دعوا الله تعالى دون الأصنام.

(1) قال الإمام فخر الدين الرازي ما نصه:

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى رَجَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك وفيه مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَهِيَ نَفْسُ آدَمَ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أَيْ حَوَّاءَ خَلَقَهَا الله مِنْ ضِلْعِ آدَمَ عليه السلام مِنْ غَيْرِ أَذًى فَلَمَّا تَغَشَّاها آدَمُ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً

فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ ثَقُلَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ وَقَالَ: مَا هَذَا يَا حَوَّاءُ/ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أَوْ بَهِيمَةً وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ؟ أَمِنْ دُبُرِكِ فَيَقْتُلُكِ أَوْ يَنْشَقُّ بَطْنُكِ؟ فَخَافَتْ حَوَّاءُ، وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عليه السلام، فَلَمْ يَزَالَا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهَا وَقَالَ: إِنْ سَأَلْتِ الله أَنْ يَجْعَلَهُ صَالِحًا سَوِيًّا مِثْلَكِ وَيُسَهِّلَ خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِكِ تسميه عبد الحرث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أَيْ لَمَّا آتَاهُمَا الله وَلَدًا سَوِيًّا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شَرِيكًا أَيْ جَعَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ له شريكاً، والمراد به الحرث هَذَا تَمَامُ الْقِصَّةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فَاسِدٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَتَوْا بِهَذَا الشِّرْكِ جَمَاعَةٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الْأَعْرَافِ: 191] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَ لله تَعَالَى، وَمَا جَرَى لِإِبْلِيسَ اللَّعِينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ. الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ إِبْلِيسَ لَقَالَ: أَيُشْرِكُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا، وَلَمْ يَقُلْ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا، لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِنَّمَا يُذْكَرُ بِصِيغَةِ «مَنْ» لَا بِصِيغَةِ «مَا» الرَّابِعُ: أَنَّ آدَمَ عليه السلام كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِإِبْلِيسَ، وَكَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَسْمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها فَكَانَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ أن اسم إبليس هو الحرث فَمَعَ الْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ ومع علمه بأن اسمه هو الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وَكَيْفَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ سِوَى هَذَا الِاسْمِ؟

الْخَامِسُ: أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ حَصَلَ لَهُ وَلَدٌ يَرْجُو مِنْهُ الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ، فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ وَدَعَاهُ إِلَى أَنْ يُسَمِّيَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَزَجَرَهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ. فَآدَمُ عليه السلام مَعَ نُبُوَّتِهِ وَعِلْمِهِ الْكَثِيرِ الَّذِي حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة: 31] وَتَجَارِبِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِسَبَبِ الزَّلَّةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لِأَجْلِ وَسْوَسَةِ إِبْلِيسَ، كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْقَدْرِ وَكَيْفَ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا السَّادِسُ: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أن آدم عليه السلام، سماه بعبد الحرث، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ اسْمَ عَلَمٍ لَهُ، أَوْ جَعَلَهُ صِفَةً لَهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ أنه عبد الحرث وَمَخْلُوقٌ مِنْ قِبَلِهِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ هَذَا شِرْكًا بالله لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْلَامِ وَالْأَلْقَابِ لَا تُفِيدُ فِي الْمُسَمَّيَاتِ فَائِدَةً، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ حُصُولُ الْإِشْرَاكِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ هَذَا قَوْلًا بِأَنَّ آدَمَ عليه السلام اعْتَقَدَ أَنَّ لله شَرِيكًا فِي الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَزْمَ بِتَكْفِيرِ آدَمَ، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَاسِدٌ وَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وُجُوهٌ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ.

التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَلَى تَمْثِيلِ ضَرْبِ الْمَثَلِ/ وَبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ صُورَةُ حَالَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَهْلِهِمْ، وَقَوْلِهِمْ بِالشِّرْكِ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَهَا إِنْسَانًا يُسَاوِيهِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، فَلَمَّا تَغَشَّى الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَظَهَرَ الْحَمْلُ، دَعَا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِآلَائِكَ وَنَعْمَائِكَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا الله وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا، جَعَلَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ لله شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، لِأَنَّهُمْ تَارَةً يَنْسُبُونَ ذَلِكَ الْوَلَدَ إِلَى الطَّبَائِعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الطَّبَائِعِيِّينَ، وَتَارَةً إِلَى الْكَوَاكِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ، وَتَارَةً إِلَى الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ تَنَزَّهَ الله عَنْ ذَلِكَ الشِّرْكِ، وَهَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ.

التَّأْوِيلُ الثَّانِي: بِأَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ آلُ قُصَيٍّ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسِ قُصَيٍّ وَجَعَلَ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَهَا عَرَبِيَّةً قُرَشِيَّةً لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا آتَاهُمَا مَا طَلَبَا مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ السَّوِيِّ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا حَيْثُ سَمَّيَا أَوْلَادَهُمَا الْأَرْبَعَةَ بِعَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدِ الْعُزَّى، وَعَبْدِ قُصَيٍّ، وَعَبْدِ اللَّاتِ، وَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي يُشْرِكُونَ لَهُمَا وَلِأَعْقَابِهِمَا الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمَا فِي الشِّرْكِ.

التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنْ نُسَلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي شَرْحِ قِصَّةِ آدَمَ عليه السلام وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ آدَمَ عليه السلام كَانَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَيَرْجِعُ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ إِلَيْهَا، فَذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ آدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام، وَحَكَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أي ذكرا أنه تعالى لو آتاهما ولداً سوياً صَالِحًا لَاشْتَغَلُوا بِشُكْرِ تِلْكَ النِّعْمَةِ، ثُمَّ قَالَ:

فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فَقَوْلُهُ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ وَرَدَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَالتَّبْعِيدِ، وَالتَّقْرِيرُ: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا أجعلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا؟ ثُمَّ قَالَ: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ تَعَالَى الله عَنْ شِرْكِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالشِّرْكِ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى آدَمَ عليه السلام، وَنَظِيرُهُ أَنْ يُنْعِمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْإِنْعَامِ، ثُمَّ يُقَالُ لِذَلِكَ الْمُنْعِمِ: إِنَّ ذَلِكَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ يَقْصِدُ ذَمَّكَ وَإِيصَالَ الشَّرِّ إِلَيْكَ، فَيَقُولُ ذَلِكَ الْمُنْعِمُ: فَعَلْتُ فِي حَقِّ فُلَانٍ كَذَا وأحسنت إليه بكذا وكذا وَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ بِكَذَا وَكَذَا، ثُمَّ إِنَّهُ يُقَابِلُنِي بالشر والإساءة والبغي؟ على التبعيد فكذا هاهنا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فِي حَقِّ آدَمَ وَحَوَّاءَ/ وَلَا إِشْكَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا إِلَّا قَوْلِهِ: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَنَقُولُ: التَّقْدِيرُ، فَلَمَّا آتَاهُمَا وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ أَيْ جَعَلَ أَوْلَادَهُمَا لَهُ شُرَكَاءَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَكَذَا فِيمَا آتَاهُمَا، أَيْ فِيمَا آتَى أَوْلَادَهُمَا وَنَظِيرُهُ قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُفَ: 82] أَيْ وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا الْفَائِدَةُ فِي التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ.

قُلْنَا: لِأَنَّ وَلَدَهُ قِسْمَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَقَوْلُهُ: جَعَلا الْمُرَادُ مِنْهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مَرَّةً عَبَّرَ عَنْهُمَا بلفظ التثنية لِكَوْنِهِمَا صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ، وَمَرَّةً عَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْجَوَابِ سَلَّمْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما عَائِدٌ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا آتَاهُمَا الْوَلَدَ الصَّالِحَ عَزَمَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَاهُ وَقْفًا عَلَى خِدْمَةِ الله وَطَاعَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَتَارَةً كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا، وَتَارَةً كَانُوا يَأْمُرُونَهُ بِخِدْمَةِ الله وَطَاعَتِهِ. وَهَذَا الْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ مِنَّا قُرْبَةً وَطَاعَةً، إِلَّا أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا

نُقِلَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ حَاكِيًا عَنِ الله سُبْحَانَهُ: «أَنَا أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرْكُتُهُ وَشِرْكَهُ»

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالْإِشْكَالُ زَائِلٌ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي التَّأْوِيلِ أَنْ نَقُولَ: سَلَّمْنَا صِحَّةَ تِلْكَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، إلا أنا نقول: إنهم سموا بعيد الحرث لِأَجْلِ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ إِنَّمَا سَلِمَ مِنَ الْآفَةِ وَالْمَرَضِ بِسَبَبِ دُعَاءِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بالحرث، وَقَدْ يُسَمَّى الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ عَبْدًا لِلْمُنْعِمِ. يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَنَا عَبْدُ مَنْ تَعَلَّمْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْأَفَاضِلِ كَتَبَ عَلَى عُنْوَانٍ: كِتَابَةُ عَبْدِ وُدِّهِ فُلَانٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي لَعَبْدُ الضَّيْفِ مَا دَامَ ثَاوِيًا

وَلَا شِيمَةَ لِي بَعْدَهَا تُشْبِهُ الْعَبْدَا

فَآدَمُ وَحَوَّاءُ عليهما السلام سميا ذلك الولد بعبد الحرث تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ عَبْدَ الله مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَمَخْلُوقُهُ، إِلَّا أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ فَلَمَّا حَصَلَ الِاشْتِرَاكُ فِي لَفْظِ الْعَبْدِ لَا جَرَمَ صَارَ آدَمُ عليه السلام مُعَاتَبًا فِي هَذَا الْعَمَلِ بِسَبَبِ الِاشْتِرَاكِ الْحَاصِلِ فِي مُجَرَّدِ لَفْظِ الْعَبْدِ، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا نَقُولُهُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ وَفِيهَا مَبَاحِثُ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ المشهور أنها نفس آدم وقوله: / خَلَقَ مِنْها زَوْجَها الْمُرَادُ حَوَّاءُ. قَالُوا وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً مِنْ نَفْسِ آدَمَ، أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ.

قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْجِنْسَ إِلَى الْجِنْسِ أَمْيَلُ، وَالْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ، وَأَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ ابْتِدَاءً فَمَا الَّذِي حَمَلَنَا عَلَى أَنْ نَقُولَ إِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ جُزْءٍ أَجْزَاءِ آدَمَ؟ وَلِمَ لَا نَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ حَوَّاءَ أَيْضًا ابْتِدَاءً؟ وَأَيْضًا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ إِنْسَانٍ مِنْ عَظْمِ وَاحِدٍ فَلِمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِهِ ابْتِدَاءً، وَأَيْضًا الَّذِي يُقَالُ: إِنَّ عَدَدَ أَضْلَاعِ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أَنْقَصُ مِنْ عَدَدِ أَضْلَاعِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فِيهِ مُؤَاخَذَةٌ تُنْبِي عَنْ خِلَافِ الْحِسِّ وَالتَّشْرِيحِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إِذًا لَمْ نَقُلَ بِذَلِكَ، فَمَا الْمُرَادُ من كلمة (من) في قوله: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها فَنَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ إلى الشيء تارة تكون بِحَسَبِ شَخْصِهِ، وَأُخْرَى بِحَسَبِ نَوْعِهِ

قَالَ عليه الصلاة والسلام: «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ الله الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ»

وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ الْفَرْدَ الْمُعَيَّنَ بَلِ الْمُرَادُ ذَلِكَ النَّوْعُ.

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ الله فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ»

وَالْمُرَادُ خَلَقَ مِنَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ زَوْجَةَ آدَمَ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ زَوْجَ آدَمَ إِنْسَانًا مِثْلَهُ قَوْلُهُ: فَلَمَّا تَغَشَّاها أَيْ جَامَعَهَا، وَالْغِشْيَانُ إِتْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَقَدْ غَشَّاهَا وَتَغَشَّاهَا إِذَا عَلَاهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا عَلَاهَا فَقَدْ صَارَ كَالْغَاشِيَةِ لَهَا، وَمِثْلُهُ يُجَلِّلُهَا، وَهُوَ يُشْبِهُ التَّغَطِّيَ وَاللُّبْسَ. قَالَ تَعَالَى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ

وَقَوْلُهُ: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً قَالُوا يُرِيدُ النُّطْفَةَ وَالْمَنِيَّ وَالْحَمْلُ بِالْفَتْحِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ أَوْ عَلَى رَأْسِ الشَّجَرِ، وَالْحِمْلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَا حُمِلَ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ. وَقَوْلُهُ: فَمَرَّتْ بِهِ أَيِ اسْتَمَرَّتْ بِالْمَاءِ وَالْحَمْلِ عَلَى سَبِيلِ الْخِفَّةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ وَتَقْعُدُ وَتَمْشِي مِنْ غَيْرِ ثِقَلٍ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ»: وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ فَمَرَّتْ بِهِ بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ غَيْرُهُ (فَمَارَتْ بِهِ) مِنَ الْمِرْيَةِ. كقوله: أَفَتُمارُونَهُ [النجم: 12] وفي قراءة أخرى أفتمرونه مَعْنَاهُ وَقَعَ فِي نَفْسِهَا ظَنُّ الْحَمْلِ وَارْتَابَتْ فِيهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ صَارَتْ إِلَى حَالِ الثِّقَلِ وَدَنَتْ وِلَادَتُهَا دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً أَيْ وَلَدًا سَوِيًّا مِثْلَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِآلَائِكَ وَنَعْمَائِكَ فَلَمَّا آتاهُما الله صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما وَالْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِهِ قَدْ مَرَّ بِالِاسْتِقْصَاءِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَعَاصِمٌ، فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ (عَنْهُ شُرَكَاءَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَقَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ (عَنْهُ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ وَتَنْوِينِ الْكَافِ وَمَعْنَاهُ جَعَلَا لَهُ نُظَرَاءَ ذَوِي شِرْكٍ وَهُمُ الشُّرَكَاءُ، أَوْ يُقَالُ مَعْنَاهُ أَحْدَثَا لله إِشْرَاكًا فِي الْوَلَدِ وَمَنْ قَرَأَ شُرَكاءَ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ: أَمْ جَعَلُوا لله شُرَكاءَ خَلَقُوا [الرَّعْدِ: 16] وَأَرَادَ بِالشُّرَكَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِبْلِيسَ لِأَنَّ مَنْ أَطَاعَ إِبْلِيسَ فَقَدْ أَطَاعَ جَمِيعَ الشَّيَاطِينِ، هَذَا إِذَا حَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ نَقُلْ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ والله أَعْلَمُ. اهـ (مفاتيح الغيب. 15/ 427 - 430).

ص: 682

(إِن الَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدونهم (مِنْ دُون الله) أي: الأصنام (عبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) مملوكون مسخرون (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي: لا يقدرون على إنجاح سؤال سائل (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) إنهم آلهة (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا) هذا بيان لقصور معبودهم عن عبادهم كأنه قال: عباد أمثالكم بل أنتم أكمل (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قلِ) يا محمد (ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ) في عداوتي (ثُمَّ كِيدُونِ) ثم بالغوا أنتم وشركاؤكم في مكروهي (فَلَا تُنْظِرُونِ) لا تمهلوني فإني لا أعبأ بكم (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ) القرآن (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) يلي أمرهم وينصرهم (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) دون الله (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) فكيف أخاف ذاك العابد وذاك المعبود (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) الأصنام (إِلَى الْهُدَى) أي: ما هو صلاحهم أو إلى أن يهدوكم (لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) أي: كأنهم ينظرون فإنهم نحتوها مصورين بالعين والأنف والأذن (وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) لأنَّهُم لا يقدرون إيجاد النور في أعين أصنامهم أو ضمير تدعوهم وتراهم إلى المشركين لقوله تعالى: " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ "[البقرة: 18](خُذِ الْعَفْوَ) من أخلاق الناس من غير تجسس كقبول أعذارهم والمساهلة معهم وقد ورد أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما هذا يا جبريل قال: إن الله تعالى أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من

ص: 683

قطعك " أو خذ الفضل وما تسهَّل به من أموالهم وذلك قبل وجوب الزكاة (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) بالعروف وهو كل ما يعرفه الشرع (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) لا تقابل السفه بالسفه (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) نزغه إذا طعنه وكأن الشيطان يطعن حين يغري الناس إلى المعاصي وحاصله إذا عرض لك منه أدنى وسوسة تصدك عن الإعراض عن الجهال (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) فإنه الملجأ أو المنجى (إِنَّهُ سَمِيعٌ) بالدعاء (عَلِيمٌ) بالمصالح وبأحوال الناس (إِن الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكبائر (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ) لمة ووسوسة من طاف به الخيال يطيف أو من طاف يطوف ومن قرأ (طَيفٌ) فهو مصدر، أو تخفيف طيف كلين من لان يلين أو كهين من هان يهون (مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا) وعيد الله ووعده (فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فأنابوا لا كالكفار العمى (وَإِخْوَانُهُمْ) أي: الكفرة فإنهم إخوان الشياطين وأتى بضمير الجمع للشيطان؛ لأن المراد منه الجنس (يَمُدُّونَهُمْ) ضمير الفاعل للشياطين أي: يكون الشياطين مددًا لهم (فِي الْغَيِّ) أو المراد من الإخوان الشياطين وضمير إخوانهم للجاهلين أي: شياطينهم يكونون مددًا لهم (ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) لا يمسكون على إغوائهم، أو الضمير للكفرة أي: لا يكفون عن الغي أو الضمير للكفرة والشياطين جميعًا أي لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين يمسكون عنهم (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) من القرآن أو معجزة اقترحوها (قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا) اختلقتها من قبل نفسك قيل: كانوا يسألون الآيات تعنتًا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها وأنشأتها من نفسك، أو معناها لم لا تجهد نفسك في طلب الآيات من الله

ص: 684

تعالى حتى نراها ونؤمن بها (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) لست بمختلق أو إن منعها لا أسألها إلا بإذنه (هَذَا) أي: القرآن (بَصَائِرُ) للقلوب بها تبصر الحق (مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فلو كان لكم بصيرة لكفاكم القرآن آية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأصح أنها نزلت في ترك التكلم في الصلاة أو ترك القراءة مع الإمام إذا جهر فيها ولا شك أنه يستحب

ص: 685

الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن مطلقًا (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) أمر بذكره أول النهار وآخره (تَضَرُّعًا) متضرعًا (وَخِيفَةً) خائفًا (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)

ص: 686

وهو كما قال ابن عباس - رضى الله عنهما - أن تسمع نفسك دون غيرك (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) بهذين الوقتين لفضلهما (وَلا تَكنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) عن ذكره وهدا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، والآية مكية وأما حمل الآية على غير هذا المعنى فبعيد، ولا يساعده نقل سديد (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) أي: الملائكة المقربين (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ) ينزهونه (وَلَهُ) لا لغيره (يَسْجُدُونَ) لا يشركون بالعبادة غير الله تعالى أي: هم مع كونهم آمنين من سوء العاقبة وعذابه متوجهون إلى الله تعالى دائما فأنتم مع خوفكم تتمادون في الغفلة وتعبدون غيره وهذه أول سجدة في القرن لتاليها ومستمعها بالإجماع.

والحمد لله حقَّ حمده ..

* * *

ص: 687