الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الفاتحة
سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم؛ وهي سورة مكية، وقد قيل: إنها أول سورة نزلت كاملة.
تشتمل هذه السورة العظيمة على مجمل معاني القرآن في التوحيد والأحكام، والجزاء، وطرق بني آدم، وغير ذلك، ولذلك سميت:«آدم القرآن» وسميت «أم الكتاب» «والسبع المثاني» «وسورة الحمد» «وسورة الصلاة» «والواقية» .
وهذه السورة لها مميزات تتميز بها عن غيرها؛ منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين: فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه البخاري ومسلم.
ومنها أنها رقية: إذا قرئ بها على المريض شفي بإذن الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال للذي قرأ على اللديغ، فبرئ:«وما يدريك أنها رقية ..» رواه البخاري.
قوله تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليست البسملة آية في بداية جميع السور، بل هي آية فاصلة بين كل سورتين، يستحب قراءتها إلا في سورة التوبة فيكره (1).
(1) جعلت الفاتحة في أول هذا التفسير لمكانتها وعظمها، وحاجة الأمة إلى معرفة معانيها وتدبرها.
{بِسْمِ} ابدأ باسم الله، استعانة على الأداء والتوفيق.
{اللهِ} : اسم الله رب العالمين لا يسمى به غيره؛ والله: هو المألوه المعبود، وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له.
{الرَّحْمَنِ} اسم دال على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء؛ ولهذا جاء على وزن «فعلان» الذي يدل على السعة.
{الرَّحِيمِ} أي: الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن «فعيل» الدال على وقوع الفعل. فهنا رحمة هي صفته، دل عليها {الرَّحْمَنِ} ورحمة هي فعله، أي إيصال الرحمة إلى المرحوم دل عليها {الرَّحِيمِ} .
و {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة.
والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقة دل عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب والسنة من إثبات الرحمة لله وهو كثير جدًا، وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله.
والرحمن الرحيم: اسمان كل منهما دال على صفة حقيقة لله على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهكذا يقال في جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة، والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي اسم الله والرب والرحمن.
وفي البسملة خلاف بين العلماء، فمنهم من يقول: إنها آية من الفاتحة ويقرأ بها جهرًا في الصلاة الجهرية، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة،
لأنها من الفاتحة، ومنهم من يقول: إنها ليست من الفاتحة؛ ولكنها آية مستقلة من كتاب الله، وهذا القول هو الحق.
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
{الْحَمْدُ} هو الثناء على الله بصفات الكمال، وهو وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ ولا بد من قيد وهو "المحبة والتعظيم" قال أهل العلم:«لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة ولا تعظيم، لا يسمى حمدًا، وإنما يسمى مدحًا» والحمد: هو الثناء باللسان، أما الشكر فيكون باللسان والقلب والأعضاء، ولا يكون الشكر إلا مقابل نعمة، أما الحمد فيكون لكمال المحمود ولو في غير مقابلة نعمة، والله تعالى له الحمد والشكر.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرب: اسم من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلا مضافاً، كقولك: هذا الرجل رب المنزل.
والعالمون: جمع العالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} المالك صفة لفعله جل جلاله، ويوم الدين يوم الجزاء والحساب، وهو سبحانه مالك يوم الدين والدنيا، لكن ظهور ملكوته وملكه وسلطانه إنما يكون في ذلك اليوم.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: نخصك وحدك بالعبادة، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
ونخصك أيضًا بالاستعانة، والاستعانة هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والمعنى: لا نعبد غيرك ولا نستعينه، وذكر سبحانه «الاستعانة» بعد «العبادة» مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي، لأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره فلا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: دلنا وأرشدنا ووفقنا للصراط المستقيم وهو الإسلام، وثبتنا عليه حتى نلقاك.
والهداية على نوعين، هداية طريق وهداية توفيق، وهداية التوفيق خاصة بالله تعالى ومنها قوله عز وجل {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] وهداية الطريق: هداية دلالة وإرشاد، وهي للأنبياء وأتباعهم من العلماء والدعاة ومنها قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، الموصل إلى جنته ورضوانه وهو الإسلام، وسمي صراطًا مستقيمًا لأنه طريق واسع سهل يوصل إلى المقصود.
فنحن ندعو الله عز وجل أن يوفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الموصل إلى جنته، وندعوه أن يوفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته، فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين.
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهؤلاء هم القدوة لنا في حياتنا.
وفي الآية توسل إلى الله بنعمه، وإحسانه إلى من أنعم عليه بالهداية؛ أي قد أنعمت بالهداية على من هديت، وكان ذلك نعمة منك. فاجعل لي نصيبًا من هذه النعمة، واجعلني واحدًا من هؤلاء المنعم عليهم، فهو توسل إلى الله بإحسانه.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .
{غَيْرِ} أي: غير صراط.
{الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} المغضوب عليهم هم اليهود، فهم علموا الحق فتركوه، وحادوا عنه على علم؛ فاستحقوا غضب الله.
{وَلَا الضَّالِّينَ} هم النصارى، وهم الذين حادوا عن الحق جهلاً فكانوا على ضلال مبين.
ومعنى آمين: اللهم استجب لنا، وليست آية من سورة الفاتحة، وفي الحديث عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين فوافقت إحدهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري.
وهذه السورة العظيمة على إيجازها احتوت على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وتوحيد إلهية، وهو إفراد الله بالعبادة وحده، من قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وتوحيد الأسماء والصفات، وقد دل عليه لفظ {الْحَمْدُ} .
وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وإثبات الجزاء والبعث في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وتضمنت إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} .
وأول السورة رحمة، وأوسطها هداية، وآخرها نعمة.
وقد ورد في فضل هذه السورة العظيمة حديث عظيم رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
* * *