الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الانشقاق
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الانشقاق سورة مكية، ذكر الله عز وجل فيها أهوال وأحوال القيامة وهي اليوم المهول الذي يجازي فيه العباد على أعمالهم، فإن الله عز وجل خلق الخلق لعبادته وطاعته وجعل لهم أمدًا وأجلاً يرجعون إليه فيه، فيحاسب المرء على ما قدم، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًا فشرًا، وذلك يوم القيامة حيث تقع فيه الأهوال العظيمة، كما ذكر الله عز وجل في وصفها وهذه الآيات وأمثالها آيات دالة على ربوبية الله عز وجل مستلزمة للعلم بصفات كماله، وعظيم قدرته، قال تعالى:
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا
يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}.
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} انشقت: انفتحت وانفرجت وتصدعت وتقطعت وهذا من علامات القيامة.
{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} أذنت: بمعنى استمعت، وأطاعت أمر ربها عز وجل.
{وَحُقَّتْ} أي: حق لها أن تأذن، أي تسمع وتنقاد وتطيع.
{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} تأكيدًا لاستماعها لربها، واستسلامها وطاعتها له.
{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي: بسطت ودكت جبالها حتى صارت قاعًا صفصفًا.
{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} أي: جثث بني آدم تلقيها يوم القيامة، وخلت الأرض غاية الخلو حتى لم يبق شيء في بطنها.
{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أذنت: يعني استمعت وأطاعت لربها مثلما أطاعت السماء لربها وحقت.
ثم ذكر الله عز وجل حال الإنسان وأنه جاهد ومجد في أعماله التي عاقبتها ونهايتها الموت فقال تعالى.
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ} المراد: جنس الإنسان الذي خلقه ربه بإحسان، وميزه بالعقل والإدراك.
{إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} الكادح: هو الساعي بجد ونوع مشقة.
{إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} يعني: أنك تكدح كدحًا يوصلك إلى ربك فإليه المرجع وإليه المآب.
{فَمُلَاقِيهِ} أي: فما أسرع أن تلاقي الله عز وجل، ثم إنك ستلقى ما علمت من خير أو شر.
وقد ذكر الله عز وجل، بعد هذه الآيات العظيمة حال الناس بعد الحساب والجزاء، حيث ذكر أهل اليمين من يؤتى كتابه بيمينه، وأهل الشمال من يؤتى كتابه وراء ظهره، فقال تعالى.
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} إي: من أعطي كتابه بيمينه وهو المؤمن.
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} أي: يحاسبه الله تعالى بإحصاء عمله عليه، لكنه حساب سهل يسير.
{وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} ينقلب من الحساب إلى أهله من الزوجات والحور العين في الجنة، مسرورًا مبتهجًا من الخير والكرامة.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} .
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} هؤلاء هم الأشقياء والعياذ بالله يؤتى كتابه وراء ظهره وليس عن يمينه، لأن يمينه مغلولة إلى عنقه.
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} أي: إذا قرأ كتابه يدعو على نفسه بالثبور من كلمات الندم والحسرة والخزي.
{وَيَصْلَى سَعِيرًا} أي: يصلى النار التي تسعر به، ويكون مخلدًا فيها أبدًا لأنه كافر.
{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} كان في الدنيا متبعًا لهواه وركوب شهوته غافلاً عما أمامه.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} أي: كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله، ولا يعيده بعد الموت للجزاء والحساب.
{بَلَى} أي: سيحور ويرجع.
{إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} يعني: بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها، فإنه كان به بصيرًا أي: عليمًا خبيرًا.
بعد أن ذكر الله عز وجل أحوال أهل الجنة وأهل النار، أتبع ذلك بذكر ما يجري ويحصل للإنسان من تحول وتغير في حياته ثم مماته حتى يبلغ جنته أو ناره؛ وفي هذا عظة وعبرة قال تعالى:
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} يقسم الله تعالى بالشفق، وهو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة.
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أقسم سبحانه بالليل المعروف.
{وَمَا وَسَقَ} أي: وما جمع، لأن الليل يجمع الوحوش والهوام وما أشبه ذلك تجتمع وتخرج وتبرز من جحورها وبيوتها.
{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} يعني: اجتمع نوره وتم وكمل في منتصف الشهر القمري وصار بدرًا ساطعًا مضيئًا.
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} هذا جواب القسم.
{لَتَرْكَبُنَّ} أيها الناس.
{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حالاً بعد حال، من الغنى والفقر والموت والحياة وهي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض.
وبعد هذه الآيات الواضحات التي يعيها البشر ويرونها صباح ومساء يناديهم الله عز وجل بصيغة استفهام يقصد به التوبيخ.
{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}
{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: أي شيء يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر.
{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} وما لهم إذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو هذا القرآن، لا يخضعون لله عز وجل فالسجود هنا بمعنى الخضوع لله والانقياد لأوامره ونواهيه.
ثم ذكر سبحانه أن ديدن الكفار التكذيب فقال:
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} .
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} أي: أن تركهم السجود، كان بسبب تكذيبهم لما جاءت به الرسل في البعث والجزاء.
{وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} أي: أنه سبحانه وتعالى أعلم بما يوعونه، أي: بما يجمعونه، ويكتمونه، ويضمرونه في أنفسهم من التكذيب في صدورهم.
{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أخبرهم بالعذاب الأليم الذي لا بد أن يكون وجعله بشارة تهكمًا بهم.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}
{إِلَّا} استثناء منقطع وتقدر "إلا" بـ "لكن".
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
{لَهُمْ أَجْرٌ} أي: ثواب.
{غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي: غير مقطوع ولا منقوص، ولا يمن عليهم به.
* * *