الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الهمزة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الهمزة سورة مكية، ذكر الله فيها أحوال بعض العباد؛ فإن من تأمل في حال الناس وأخلاقهم يجد التفاوت العجيب، وأنزل الله عز وجل هذا القرآن مقررًا للشريعة رافعًا راية التوحيد، مهذبًا للأخلاق وحسن التعامل وطيب الفعال بين المسلمين، وفي هذه السورة ذم الله عز وجل الطعن في أعراض الناس وأنسابهم ودناءة من فعل ذلك، وأن له الوعيد الشديد والعقوبة العظيمة إن احتقر أو استهزأ وطعن في أنساب المسلمين وأعراضهم على وجه التنقص والازدراء، وذم الله عز وجل في السورة الذين يشتغلون بجمع الأموال وتكديس الثروات كأنهم مخلدون في هذه الحياة، وختمت بذكر عاقبة هؤلاء التعساء الأشقياء، قال تعالى:
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} :
{وَيْلٌ} كلمة خزي وعذاب ووعيد، وقيل: واد في جهنم أي: خزي أو عذاب أو هلكه للهمزة، وهو الذي يغتاب الناس، ويطعن في أعراضهم ويظهر عيوبهم ويحقر أعمالهم.
{لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} فالهمز: بالفعل، واللمز: باللسان.
ثم ذكر الله صفة هذه الهماز اللماز أنه لا هم له إلا جمع المال، والهمزة واللمزة من الفخر، والكبر، وجمع المال وتعديده من البخل.
{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} هذه أيضًا من أوصافه القبيحة جماع مناع، يجمع المال، ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي، يجمع المال ويعدده ويرى أنه له به الفضل فلأجل ذلك يستقصر غيره.
{وَعَدَّدَهُ} يعني أكثر تعداد لشدة شغفه ومحبته له، يخشى أن يكون نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق فهو دائمًا يعد المال.
{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} يعني: يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، أخلد ذكره أو أطال عمره، فلا يفكر في ما بعد الموت من الحساب والجزاء أو أنه مانع له من الموت.
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} .
{كَلَّا} أي: ليرتدع عن هذا الظن، ليس الأمر على ما يحسبه ويظنه، لا يخلد ماله ولا يبقى له بل.
{لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} ليطرحن طرحًا هو وماله في النار التي تهشم كل ما يلقى فيها وتحطمه، والحطمة من أسماء النار.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} أي: وما أعلمك ما النار والحطمة.
{نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ} المسجرة المسعرة.
{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} أي: يخلص حرها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها.
{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ} أي: الحطمة، وهي نار الله المؤقدة، أي على الهماز واللماز الجماع للمال المناع للخير.
{مُؤْصَدَةٌ} مطبقة مغلقة الأبواب لا يرجى لهم فرج.
{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} أي: أن هذه النار مؤصدة، عليها أعمدة ممدة، أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها.