المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الطارق - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة الطارق

‌تفسير سورة الطارق

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} .

سورة الطارق سورة مكية، أقسم الله فيها ببعض مخلوقاته، فهو الذي خلق الخلق لعبادته، وطاعته، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وجعل عليهم ملائكة يحصون أعمالهم ويدونونها، وتنشر هذه الصحائف يوم الجزاء والحساب، وقد عظم الله، عز وجل، في هذه السورة قدر السماء في أعين الخلق لكونها معدن رزقهم ومسكن ملائكته وفيها خلق الجنة، وابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالسماء ذات الكواكب الساطعة قال تعالى:

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} .

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} أقسم الله تعالى بالسماء والطارق، وكل منهما آية من آياته الدال على وحدانيته.

ص: 81

{وَالطَّارِقِ} الكوكب، وسمي طارقًا؛ لأنه يأتي بالليل ويختفي بالنهار.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} استفهام للفت النظر إليه.

{النَّجْمُ الثَّاقِبُ} هذا هو الطارق، والثاقب: المضيء الشديد الإضاءة.

{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} هذا جواب القسم: أي: ما كان نفس إلا عليها حافظ، عليها من أمر الله رقيب، وهم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون على كل نفس قولها وفعلها، ويحصون ما تكسب من خير وشر، وحتى يتيقن الإنسان من عظمة الله، عز وجل، وقدرته على ذلك، قال سبحانه.

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} الفاء للدلالة على أنه يكون على كل نفس حافظ، يوجب على الإنسان أن يتفكر وليتدبر خلقته ومبدأه؛ فإنه مخلوق.

{مِمَّ خُلِقَ} أي: من أي شيء خلقه الله.

{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي: مصبوب في الرحم، وهو ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدًا لامتزاجهما.

{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} من بين صلب الرجل وترائب المرأة.

{وَالتَّرَائِبِ} ترائب المرأة، وهو موضع القلادة من الصدر.

{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} .

{إِنَّهُ} أي: الله عز وجل الذي أنشأه ورعاه.

{عَلَى رَجْعِهِ} أي: على رجع الإنسان وإعادته بالبعث بعد الموت.

{لَقَادِرٌ} لبين القدرة، لا يعجز عنه، وذلك يوم القيامة.

ص: 82

{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين، قادر على أن يعيده يوم القيامة يوم تختبر السرائر، والسرائر ما يسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها.

{فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} أي: فما للإنسان من قوة في نفسه يمتنع بها عن عذاب الله، لا ناصر ولا معين ينقذه مما نزل به.

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} .

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} هذا هو القسم الثاني بالسماء.

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} الرجع هو المطر، يسمى رجعًا؛ لأنه يرجع ويتكرر، ومعلوم أن المطر به حياة الأرض.

{وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} الصدع هو الانشقاق يعني التشقق بخروج النبات منه.

{إِنَّهُ} أي القرآن.

{لَقَوْلٌ فَصْلٌ} وصفه الله تعالى بأنه قول فصل، يفصل بين الحق والباطل.

{وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} أي جد ليس بالهزل، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات، وتنفصل به الخصومات.

{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} .

{إِنَّهُمْ} يعني الكفار المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء المكذبين الذين خلقوا من ماء دافق بلا حول ولا قوة.

ص: 83

{يَكِيدُونَ كَيْدًا} أي: كيدًا عظيمًا، ويمكرون ويدبرون، في إبطال ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين الحق.

{وَأَكِيدُ كَيْدًا} أي: استدرجهم من حيث لا يعلمون، وأجازيهم بمكرهم مكرًا أشد.

ثم قال عز وجل:

{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} مهل وأمهل معناهما واحد، يعني: انتظر بمهلة ولا تنتظر بمهلة طويلة، لا تعجل ولا تستبطئ الأمر، وسترى ما يحل بهم من العذاب والنكال والهلاك.

{رُوَيْدًا} أي: قليلا.

ص: 84