المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة القارعة - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة القارعة

‌تفسير سورة القارعة

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} .

سورة القارعة سورة مكية، ذكر الله فيها يوم القيامة يوم الجزاء والحساب ويوم الفصل بين العباد، يوم توزن فيه أعمال الخلائق؛ فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته أدخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته أدخل النار، وسورة القارعة تقرر هذه الأمور للاستعداد والتأهب، ومن قبل التوبة والامتثال والطاعة لرب الأرباب، وسورة القارعة كلها عن يوم القيامة حقيقتها وما يقع فيها، وما تنتهي إليه، فهي تعرض مشهدًا من مشاهد القيامة كخروج الناس من قبورهم وانتشارهم في ذلك اليوم الرهيب كالفراش المتطاير، المنتشر هنا وهناك يجيئون ويذهبون على غير نظام من شدة حيرتهم وفزعهم وذكر الله عز وجل فيها نسف الجبال وتطايرها قال تعالى:

{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} .

ص: 149

{الْقَارِعَةُ} اسم فاعل من قرع، والمراد: التي تقرع القلوب وتفزعها وذلك عند النفخ في الصور، والقارعة من أسماء القيامة.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} هذا زيادة في التفخيم والتعظيم والتهويل للالتفات والتنبيه لهذا اليوم العظيم، أي: القيامة وأي شيء القيامة؟

{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} أي يكون الناس من شدة الفزع والهول كالفراش: وهو الحشرة الطائرة المعروفة التي تتساقط على الضوء ليلاً.

{الْمَبْثُوثِ} يعني المتفرق المنتشر، والمعنى: أن الناس في يوم القيامة يسيرون على غير هدى في كل اتجاه لشدة الهول حتى يحشروا إلى الموقف.

{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} هذا هو الوصف الثاني من صفات ذلك اليوم المهول، أي: تصير وتتحول الجبال العظيمة الراسية إلى عهن منقوش، أي: تكون كالصوف الذي نفش بالندف، والمنقوش: المبعثر الذي تفرقت أجزاؤه.

ثم ذكر سبحانه أحوال الناس عند المحاسبة في الموقف، وتفرقهم فريقين على جهة الإجمال.

{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} .

{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} فإن من ثقلت موازينه وهي أعماله الصالحة، رجحت حسناته على سيئاته.

{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} في الجنة، إنها عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه في جنات الخلد والنعيم.

ص: 150

{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} إما أنه الكافر الذي ليس له أي حسنة، لأن حسنات الكافر يجازى بها في الدنيا ولا تنفعه في الآخرة، أو أنه مسلم ولكنه مسرف على نفسه وسيئاته أكثر.

{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} يعني: أن مسكنه ومآله إلى نار جهنم، والهاوية من أسماء النار حيث يهوي فيها الكافر.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} هذا من باب التفخيم والتعظيم لهذه الهاوية.

{نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: قد انتهى حرها وبلغ في الشدة إلى الغاية.

ص: 151