الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الشمس
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشمس سورة مكية، ذكر الله عز وجل فيها أن من أسباب الفوز والفلاح محاسبة النفس ومراجعتها وتعاهدها وبذلك تستقيم النفوس وتتزكى القلوب، والمسلم مأمور بذلك في كل حين ووقت، فإن ذلك أقرب للتوبة والعودة إلى الله عز وجل، ومحاسبة النفس قبل أن تحاسب.
وفي مطلق السورة يقسم الله عز وجل، بسبعة أشياء من مخلوقاته العظيمة، فأقسم تعالى بالشمس وضوئها الساطع، وبالقمر إذا أعقبها وهو طالع، ثم بالنهار إذا جلا ظلمة الليل بضيائه، وبالليل إذا غطى الكائنات بظلامه، ثم بالقادر الذي أحكم بناء السماء بلا عمد، وبالأرض التي بسطها على ماء جمد، وبالنفس البشرية التي كملها الله وزينها بالفضائل والكمالات، أقسم بهذه الأمور على فلاح الإنسان ونجاحه إذا اتقى الله، وعلى شقاوته وخسرانه إذا طغى وتمرد، قال سبحانه:
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *} أقسم الله تعالى بالشمس وضحاها، وهو ضوؤها لما في ذلك من الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وكمال علمه ورحمته، والضحى: وقت ارتفاع الشمس بعد طلوعها إذا تم ضياؤها.
{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} قيل: إذا تلاها في السير بعد غروب الشمس، وحكمة القسم بالشمس أن العالم في وقت غيبة الشمس عنهم كالأموات، فإذا ظهر الصبح وبزغت الشمس دبت فيهم الحياة، وصار الأموات أحياء فانتشروا لأعمالهم وقت الصحوة، وهذه الحال تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها، والشمس والقمر مخلوقات لمصالح البشر، والقسم بها للتنبيه على ما فيهما من المنافع العظيمة وقيل: إذا تلاها في الإضاءة.
{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} إذا جلى الأرض وبينها ووضحها؛ لأنه نهار تتبين به الأشياء وتتضح.
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} إذ يغطي الأرض حتى يكون كالعباءة المفروشة على شيء من الأشياء.
{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أي: والسماء وبنائها.
{وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} أي: بسطها من كل جانب.
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} أنشأها وسوى أعضاءها وركب فيها الروح وجعلها مستقيمة على الفطرة.
{فَأَلْهَمَهَا} أي: الله عز وجل ألهم هذه النفوس وعرفها وأفهمها.
{فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي: عرفها، وأفهمهما طريق الخير وطريق الشر، وعلمها الطاعة والمعصية، وما فيهما من الحسن والقبح، والفجور هو ما يقابل التقوى.
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} جواب القسم والتقدير: لقد أفلح أي: فاز بالمطلوب ونجا من المرهوب، من زكى نفسه وأعلاها بالتقوى.
{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي: خسر من أرداها في المهالك والمعاصي والكفر والفسوق.
والمعنى: قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، وخاب من دساها بالمعاصي، فالطاعة تزكي النفس وتطهرها، فترتفع والمعاصي تدسي النفس، وتقمعها فتنخفض وتصير كالذي يدس في التراب.
وبعد هذه الآيات الكريمة ساق الله عز وجل قصة ثمود الذين بعث إليهم نبيه صالحًا عليه السلام فكذبوه وعصوا أمره وخالفوه وما جرى من وقوع العذاب عليهم فقال تعالى.
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} ثمود اسم قبيلة، ونبيهم صالح عليه الصلاة والسلام وديارهم في الحجر معروفة في طريق الناس، هؤلاء كذبوا نبيهم صالحًا بسبب الطغيان، حملهم على التكذيب، والطغيان مجاوزة الحد في المعاصي.
{بِطَغْوَاهَا} أي: بأجمعها.
{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} هذا بيان للطغيان الذي ذكره الله عز وجل وذلك حين.
{انْبَعَثَ} يعني: انطلق بسرعة لعقر الناقة.
{أَشْقَاهَا} أي: أشقى ثمود.
{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ} صالح عليه السلام محذرًا وفي هذا إيضاح لمهمة الرسل وأنهم يجاهدون أقوامهم ويدلونهم على الخير.
{نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا} أي: ذروا ناقة الله، وحذرهم أن يعقروها.
{وَسُقْيَاهَا} شربها من الماء، فلا تتعرضوا له يوم شربها.
{فَكَذَّبُوهُ} أي: كذبوا صالحًا فيما حذرهم منه من نزول العذاب إن فعلوا.
{فَعَقَرُوهَا} أي: فذبحوا الناقة، عقرًا حصل به الهلاك.
{فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} أطبق عليهم فأهلكهم بسبب ذنوبهم، دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم والرجفة من تحتهم فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبًا والدمدمة: هلاك باستئصال.
{فَسَوَّاهَا} أي: فسوى الأرض عليهم، فجعلت تحت التراب.
{وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} يعني: أن الله لا يخاف من عاقبة هؤلاء الذين عذبهم وكيف يخاف وهو القادر القاهر الجبار الحكيم في كل ما قضاه وشرعه سبحانه وتعالى.