الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة النازعات
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى * أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَاوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَاوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ
مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}.
سورة النازعات سورة مكية، نزلت في مكة، تعني بأصول العقيدة من الوحدانية والرسالة، والبعث والجزاء، فإنه سبحانه خلق الخلق وبعث لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب ليبينوا لهم الطريق الحق والصراط
المستقيم، وليحذروهم من الشرك والطغيان والعصيان، ومن تمام عدل الله عز وجل أن جعل بعد دار الدنيا موعدًا يلقى فيه كل إنسان جزاءه وفاقًا إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا، وفي الآيات التالية يبين سبحانه وتعالى حال الكفار عند النفخ في الصور وبعث الناس من قبورهم في هذا اليوم العظيم قال تعالى:
{وَالنَّازِعَاتِ} أقسم سبحانه بالملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار تنزعها.
{غَرْقًا} أي: نزعًا شديدًا.
{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} يعني: الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين، تنشطها نشطًا: أي تسلها برفق وسهولة.
{وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} هي: الملائكة تسبح بأمر الله، أي تسرع فيه كما يسرع السابح في الماء.
{فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} أيضًا هي: الملائكة تسبق غيرها إلى أمر الله عز وجل، أو الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} وصف للملائكة؛ تدبر الأمر من السماء إلى الأرض بأمر الله.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} وهما النفختان في الصور،
النفخة الأولى: الراجفة ترجف الناس ويفزعون ثم يموتون عن آخرهم إلا من شاء الله، والنفخة الثانية التي تعقب الأولى، هي: الرادفة يبعثون من قبورهم فيقوم الناس أحياء من قبورهم مرة واحدة، وهم في حالة شديدة من الاضطراب بادية الذل، يجتمع عليها الخوف والانكسار، والرجفة والانهيار، قال تعالى:{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} .
{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ} هذه حال القلوب في ذلك الموقف العظيم.
{وَاجِفَةٌ} أي فزعة مضطربة خائفة خوفًا شديدًا، لما عاينت وأبصرت من أهوال يوم القيامة.
{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} يعني: أبصار أصحابها ذليلة حقيرة، لا تكاد تحدق أو تنظر بقوة من هول ما ترى، قد غضت أبصارهم لذلهم.
{يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} هذا يقوله المنكرون للبعث إذا قيل لهم: إنكم تبعثون يقولون: أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء بعد موتنا وبعد كوننا في حفر القبور.
{أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} أي: كيف نبعث بعد أن كنا عظامًا بالية فتاتًا.
{قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} قالوا: أي: منكرو البعث، استبعدوا أن يبعثهم الله ويعيدهم؛ إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا من الجزاء، يصيبنا مما يقوله محمد.
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} أي: إنما هي صيحة واحدة، وهي النفخة الثانية، زجرة من الله عز وجل، يزجرون ويصاح بهم فيقومون من
قبورهم قيام رجل واحد على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها.
{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} أي: فإذا هم أحياء على وجه الأرض، والساهرة: أرض بيضاء يأتي بها الله سبحانه فيحاسب عليها الخلائق.
ثم لما ذكر الله عز وجل أحوال الكفار وما يصيبهم في ذلك اليوم ساق قصة موسى عليه السلام وما أمره الله عز وجل به من القيام بتبليغ الرسالة والدعوة إليه، وذكر جل وعلا ما وجد موسى من فرعون وتكذيبه، مع ما أظهر من الآيات الباهرات والمعجزات الواضحات، إلا أنه طغى وتجبر فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، عبرة له، وموعظة لغيره، وفي ذكر مثل هذه الوقائع والأحداث تخويف لمن كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتسلية لنبيه بأن طريق الدعوة شاق يحتاج إلى صبر وتوكل على الله عز وجل قال تعالى:
قال تعالى: مبينًا ما جرى للأمم قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} .
{هَلْ أتَاكَ} أسلوب تشويق وترغيب لسماع القصة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، أي: هل سمعت يا محمد بخبره وما جري له.
{حَدِيثُ مُوسَى} وهو ابن عمران عليه الصلاة والسلام أفضل أنبياء بني إسرائيل وهو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم محمد صلى الله عليه وسلم -
وإبراهيم وموسى، وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام.
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى}
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} ناداه الله عز وجل نداء سمعه بصوت الله عز وجل.
{بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} الوادي هو مجرى الماء، وطوى هو الوادي المطهر عند جبل الطور في سيناء الذي كلم الله موسى عنده وامتن عليه بالرسالة واختصه بالوحي.
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} ناداه وأمره الله عز وجل أن يذهب إلى فرعون ملك مصر، وكان يقول لقومه إنه ربهم الأعلى.
{إِنَّهُ طَغَى} أي: زاد على حده، وتجبر، وتمرد، وعتا.
{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} الاستفهام هنا للتشويق وتشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد، وأصل الزكاة النمو والزيادة.
{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} أي: أدلك إلى عبادة ربك، وإلى دين الله عز وجل، وإلى توحيده، وعبادته، ومرضاته.
{فَتَخْشَى} أي فتخاف الله عز وجل، على علم منك فيصير قلبك خاضعًا له، مطيعًا خاشعًا، لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة، ولكن فرعون امتنع مما دعاه إليه موسى، والفاء لترتيب الخشية على الهداية لأن الخشية لا تكون إلا من مهتد راشد.
وفي الآيات السابقة من الفوائد: أن الله عز وجل أمر موسى عليه السلام بمخاطبة فرعون بالخطاب اللين، فمخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعًا وعقلاً وعرفًا، وموسى عليه السلام، امتثل لما أمر به فقال لفرعون {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}
فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مخرج الأمر، وقال:{إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ولم يقل: إلى أن أزكيك، فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكي دون غيره لما فيه من البركة والخير والنماء، ثم قال:
{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك.
ثم ذكر الله عز وجل مع هذه الدعوة الرفيعة أنه أراه المعجزات الباهرات والآيات العظيمات فقال تعالى.
{فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} في الكلام محذوف، أي: فذهب موسى إليه ودعاه وكلمه، فلما امتنع أرى موسى فرعون الآية الكبرى، أي العظمى، والآية أن معه عصًا من خشب من فروع الشجر، فكان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى ثم يحملها فتعود عصا.
{فَكَذَّبَ وَعَصَى} كذب الخبر، وعصى الأمر.
{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} أي تولى مدبرًا يسعى حثيثًا في الكيد، والمحاولة ومبارزة الحق ومحاربته.
{فَحَشَرَ فَنَادَى} حشر الناس، أي: جمعهم ونادى فيهم بصوت مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم عما يريد منهم موسى عليهم الصلاة والسلام.
{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} يعني: لا أحد فوقي فأذعنوا له وأقروا بباطله حين استخفهم.
{فَأَخَذَهُ اللهُ} أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر جزاء إعراضه عن الحق.
{نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} أي: أخذه الله فنكل به نكال الآخرة وهو عذاب النار، ونكال الأولى وهو عذاب الدنيا بالغرق.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} أي: فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه، واستهتار فرعون به، واستكباره عن الانقياد في ذلك كله عبرة.
{لِمَنْ يَخْشَى} أي: أن هذه العبرة والموعظة ينتفع بها من يخشى الله عز وجل ويخافه.
ثم لما انتهى الحديث عن قصة الطاغية فرعون رجع إلى منكري البعث من كفار قريش، ومع علم المشركين بأن الله هو خالق السموات والأرض، الرزاق المحيي والمميت إلا أنهم ينكرون البعث بعد الموت بعد أن تحولت أجسادهم إلى عظام بالية؛ فرد سبحانه عليهم بأن الذي خلق السموات والأرض مع عظمتها لن يعجزه بعث الإنسان ذي الجرم الصغير، فإنه لا شيء في حجمه مقارنة بالسموات والأرض، وفي هذا تقرير لهم بوجوب الإيمان بالبعث بعد الموت، وبين كيفية خلقه للسماء بجمل متعاقبة فقال سبحانه:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} .
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} هذا الاستفهام لتقرير إمكان البعث؛ لأن المشركين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالبعث، أي: أأنتم أيها البشر؛ أخلقكم بعد الموت وبعثكم أشد في تقديركم، أم خلق السماء ذات الجرم العظيم والخلق القوي والارتفاع الباهر؟
{بَنَاهَا} أي بناها الله عز وجل وشيدها عالية رفيعة.
{رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} سمك كل شيء: قامته وارتفاعه، ورفعه يعني عن الأرض، ورفعه عز وجل بغير عمد، فجعلها عالية البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء.
{فَسَوَّاهَا} أي: جعلها مستوية تامة كاملة محكمة.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلم ليلها فأصبح لا يرى إلا الظلام الأسود الحالك.
{وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أي: أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس، فسار الناس في مصالح دينهم ودنياهم ومعاشهم وأرزاقهم.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} أي: بعد خلق السماوات والأرض.
{دَحَاهَا} أي: بسط الأرض وأودع فيها منافعها.
{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} أي: فجر من الأرض الأنهار والعيون، وأخرج منها مرعاها، أي: النبات الذي يرعى.
{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} أي: جعلها راسية ثابتة في الأرض.
{مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} أي: كل هذه النعم العظيمة جعلها لكم ولدوابكم وأنعامكم مسخرة مذللة، ينتفع الإنسان بليلها ونهارها وسهولها ومائها ونباتها؛ وكل تلك النعم إلى أجل، ثم تزول.
{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} أي: إذا جاءت القيامة الكبرى، والشدة العظمة، وسماها طامة لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها.
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} أي: يوم القيامة يتذكر حينئذ الإنسان ما سعى، أي: ما عمله في الدنيا، يتذكره مكتوبًا بكتاب.
{وَبُرِّزَتِ} أظهرت لأبصار الناظرين.
{الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} أي النار لمن يبصر، تجيء تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام فيه سبعون ألف ملك يجرونها.
ثم ينقسم الناس بعد ذلك الهول العظيم والمشهد الفظيع إلى قسمين:
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى} أي: من تجاوز الحد، والطغيان هو مجاوزة الحد.
{وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: قدمها على طاعة الله عز وجل فصار سعيه لها، ووقته مستغرقًا في حظوظها وشهواتها، ونسي الآخرة وجزاءها وهذان الوصفان هما وصفا أهل النار: مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا وتقديمها على الآخرة، وهما متلازمان، فكل من طغى فقد آثر الحياة الدنيا، وكذلك العكس.
{فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَاوَى} أي: هي مأواه ومصيره، ومقره ومسكنه.
ثم ذكر سبحانه من خاف ربه واتقاه، وماله من الكرامة والمنزلة فقال:
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} يعني: خاف القيام بين يديه ومجازاته بالعدل.
{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} أي: زجرها عن هواها المخالف لأمر الله ورسوله.
{فَإِنَّ الْجَنَّةَ} الجنة هي دار النعيم المشتملة على كل خير وسرور.
{هِيَ الْمَاوَى} أي: مقره وسكنه أعدها الله عز وجل، لأوليائه ومن كان هذا وصفه منهم.
ثم لما ذكر حال الناس في يوم القيامة، ذكر تساؤل الناس عن هذا اليوم العظيم ومتى يكون؟
{يَسْأَلُونَكَ} يعني يسألك الناس.
{عَنِ السَّاعَةِ} أي: عن القيامة استخفافًا.
{أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي: متى وقوعها ووصولها؟ كرسو السفينة.
{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} يعني: أنه لا يمكن أن تذكر لهم متى الساعة؛ لأن علمها عند الله.
{إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} منتهى علمها، فلا يعلمها غيره.
{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} يعني: ليس عندك علم منها ولكنك منذر ومخوف.
{مَنْ يَخْشَاهَا} أي: يخافها، وهم المؤمنون.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} {كَأَنَّهُمْ} أي: إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر.
{يَوْمَ يَرَوْنَهَا} أي: يرون القيامة.
{لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}
{لَمْ يَلْبَثُوا} يستقصرون مدة الحياة الدنيا حتى كأنها عندهم عشية.
{إِلَّا عَشِيَّةً} العشية: من الزوال إلى غروب الشمس.
{أَوْ ضُحَاهَا} الضحى من طلوع الشمس إلى زوالها يعني كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم.
* * *