المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة النصر - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة النصر

‌تفسير سورة النصر

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .

سورة النصر سورة مدنية؛ فيها البشارة أن دين الله عزيز منصور على مر الأزمان والعصور، وأمتن الله عز وجل فيها على نبينا محمد ومن معه من الصحابة بنصر عظيم، ألا وهو فتح مكة وإزالة الأصنام والأوثان، ودخول القبائل بعد ذلك في دين الله أفواجًا وبهذا الفتح المبين ارتفعت راية الإسلام، واضمحلت ملة الأصنام، وكان الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه، من أظهر الدلائل على صدق نبوته، عليه أفضل الصلاة والسلام قال سبحانه:

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

{نَصْرُ اللهِ} النصر هو العون والتأييد، وهو نصر الله يجيء به الله، وهو تسليط الله الإنسان على عدوه بحيث يتمكن منه ويخذله ويكبته.

{وَالْفَتْحُ} معطوف على النصر، وعطفه على النصر مع أن الفتح من النصر تنويه بشأنه، والمراد بالفتح: فتح مكة.

{يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا} أي: جماعات جماعات، بعد أن كانوا يدخلون فيه أفرادًا، فإنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا وجماعات حتى كانت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام، والمعنى: إذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وفتح عليك مكة.

ص: 171

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: سبحه تسبيحًا ونزه تنزيهًا عما لا يليق به مقرونًا بالحمد والاستغفار، وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس، وبين الحمد له على جميل صنعه له وعظيم منته عليه بالنصر والفتح لمكة ودخول الناس أفواجًا.

{وَاسْتَغْفِرْهُ} يعني: اسأله المغفرة تواضعًا لله واستقصارًا لعملك، والاستغفار من التقصير في حمد الله وشكره، فجهد الإنسان مهما كان ضعيف محدود، وآلاء الله دائمة العطاء والخير، وفي هذا إشارة إلى شكر الله على نصره وتأييده، وإظهار نعمة المنعم على عباده بالنصر والتأييد.

{إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} من شأنه التوبة على المستغفرين له، يتوب عليهم ويرحمهم بقبول توبتهم.

فإن الاستغفار يتضمن وقاية شر الذنوب، وفي هذا ترغيب في الاستغفار، وحث على التوبة والأوبة، فهو سبحانه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وهذه السورة الكريمة فيها نعي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا تسمى سورة "التوديع" وحين نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة:«ما أراد إلا حضور أجلي» وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ثم نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] الآية، فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يومًا.

ص: 172