المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الأعلى - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة الأعلى

‌تفسير سورة الأعلى

بسم الله الرحمن الرحيم

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} .

سورة الأعلى سورة مكية، كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاة العيد، وفي صلاة الشفع قبل الوتر، وفي صلاة الجمعة، فيها تنزيه الله عز وجل وذكر قدرته؛ فإنه جل جلاله مدبر الكون، عالم الخفيات، له الكمال المطلق في أسمائه وصفاته وأفعاله، شرع لعباده أن يسبحوه بكرة وأصيلاً، وقد سبح هو نفسه مفتتح عدد من السور، ومنها هذه السورة فقال تعالى:

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} .

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 85

{سَبِّحِ} يعني: نزِّهِ الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، والتسبيح والتمجيد: التنزيه واستحضار معاني الصفات الحسنى لله عز وجل.

{اسْمَ رَبِّكَ} الرب معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور.

{الْأَعْلَى} من العلو.

{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} .

{الَّذِي خَلَقَ} صفة من صفات الله حيث أوجد من العدم جميع الكائنات.

{فَسَوَّى} يعني: سوى ما خلقه على أحسن صورة.

{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} صفة أخرى من صفات الله حيث قدر كل شيء عز وجل.

{فَهَدَى} يشمل الهداية الشرعية، والهداية الكونية.

{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} وهذه صفة ثالثة في هذه السورة من صفات الله عز وجل حيث أنبت العشب وما ترعاه الأنعام والنبات الأخضر.

{فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} أي: فجعله، أي بعد أن كان أخضرَ.

{غُثَاءً} أي هشيمًا جافًا.

{أَحْوَى} أي: أسود بعد اخضراره، وذلك أن الكلأ إذا يبس أسود.

وقد ذكر سبحانه فيما سبق أربعة أمور عامة: الخلق والتسوية، والتقدير، والهداية وجعل التسوية من تمام الخلق، والهداية من تمام التقدير.

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ} .

ص: 86

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} هذا بشارة وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه يقرئه القرآن ويجمعه في قلبه ولا ينساه الرسول.

{إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ} يعني: إلا ما شاء أن تنساه، فإن الأمر بيده، عز وجل.

{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} .

{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ} أي: أن الله تعالى يعلم الجهر، ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعًا.

{وَمَا يَخْفَى} أي: ما يكون خفيًا لا يظهر، فإن الله يعلمه.

{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} وهذا أيضًا وعد من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام، أن ييسره لليسرى، واليسرى أن تكون أموره ميسرة، ولا سيما في طاعة الله عز وجل، فشريعته سمحة وجميع أحواله ميسرة.

{فَذَكِّرْ} يعني ذكر الناس، ذكرهم بشرع الله وآيات الله، ذكرهم بأيام الله، عِظْهُمْ وأرشدهم إلى سبيل الخير.

{إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} يعني: في محلٍ تنفع فيه الذكرى والموعظة.

{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} سيتعظ بالقرآن من يخشى الله عز وجل أي: يخافه خوفًا عن علم بعظمة الخالق جل وعلا.

{وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} أي: يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها.

{الْأَشْقَى} هنا اسم تفصيل من الشقاء وهو ضد السعادة.

{الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} الذي يصلى النار الموصوفة بأنها.

{الْكُبْرَى} وهي نار جهنم.

ص: 87

{ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} أي: لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة ينتفع بها.

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} .

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} .

{قَدْ أَفْلَحَ} مأخوذ من الفلاح، والفلاح كلمة جامعة، وهو: الفوز بالمطلوب.

{مَنْ تَزَكَّى} مأخوذة من التزكية وهي التطهير.

{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} ذكر الله، واتصف بذكر الله وانصبغ به قلبه فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله خصوصًا الصلاة، فصلى خشوعًا وامتثالا لأمره.

{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .

{بَلْ} أي: إنكم.

{تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: تفضلون وتقدمون حياة الدنيا على الآخرة.

{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير بما فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر، كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأن بقاء الدنيا قليل زائل مضمحل، بخلاف بقاء الآخرة فإنه أبد الآبدين.

ص: 88

وفي ختام الآيات تجيء الإشارة إلى قدم هذه الدعوة وعراقة منبتها، وامتداد جذورها في شعاب الزمن، وتوحد أصولها منذ القدم، حيث رسالات الأنبياء.

{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}

{إِنَّ هَذَا} ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة.

{لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} أي: ثابت فيها؛ السابقة على هذه الأمة.

{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، تتابعت فيها أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا.

* * *

ص: 89