الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الغاشية
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الغاشية سورة مكية، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في صلاة العيد والجمعة، وقد ذكر الله عز وجل فيها مصير وحال أهل السعادة وأهل الشقاء، محذرًا ومبينًا رأفة وشفقة بالعباد حتى لا يضلوا ولا ينحرفوا، وفي هذه السورة ذكر لبيان شيء مما يجده أهل النار في النار، وما ينعم به أهل الجنة في الجنة قال تعالى:
{هَلْ أَتَاكَ} الاستفهام للتشويق إلى استماع الخبر، وللتنبيه والتفخيم لشأنها، أي: قد جاءك يا محمد.
{حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} أي: نبؤها وخبرها.
{الْغَاشِيَةِ} هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس بأهوالها، والغاشية اسم من أسماء يوم القيامة.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أي: إن الناس يكونون يوم القيامة فريقين: الأول: وجوههم ذليلة خاضعة من الخزي والفضيحة.
{عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} عاملة عملاً يكون به النصب، وهو التعب ولا أجر لهم عليه، لما هم عليه في الكفر والضلال.
{تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} أي: تدخل في نار جهنم الشديدة الحرارة.
{تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} .
{تُسْقَى} أي: هذه الوجوه.
{مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي: حارة شديدة الحرارة.
{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} الضريع قالوا: إنه شجر ذو شوك عظيم إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم.
{لَا يُسْمِنُ} فلا ينفع الأبدان في ظاهره.
{وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه، ليس فيه إلا الشوك.
وبعد أن ذكر الله عز وجل حال أهل النار وما يلاقونه من عذاب وشقاء، بدأ في ذكر أصحاب الفريق الثاني، وهم أصحاب الجنة، ووصف حالهم وما هم فيه من النعيم والسعادة، فقال تعالى:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} أي: في نعمة وكرامة؛ ناعمة بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل، وهي وجوه أصحاب الفريق الثاني.
{لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} أي: لعملها الذي عملته في الدنيا راضية، لأنها وصلت به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح.
{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل، لأوليائه يوم القيامة. والعلو ضد السفول فهي فوق السماوات السبع.
{لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} أي: لا تسمع في هذه الجنة قولة لاغية، أو نفسًا لاغية.
{فِيهَا عَيْنٌ} أي: في الجنة عين ماء وهي ينبوع متدفق، وهو يجمع إلى الري الجمال.
{جَارِيَةٌ} أي: تجري حيث أراد أهلها لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إقامة أخدود.
{فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} أي: في الجنة سرر عالية يجلسون عليها يتفكهون والارتفاع يوحي بالنظافة كما يوحي بالطهارة.
{وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} الأكواب جمع كوب، وهو الكأس ونحوه.
{مَوْضُوعَةٌ} يعني: ليست مرفوعة عنهم، بل هي موضوعة لهم متى شاؤوا شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة.
{وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة من الحرير والإستبرق.
{مَصْفُوفَةٌ} مصفوفة مرتبة بعضها إلى بعض على أحسن وجه، تلتذ العين بها قبل أن يلتذ البدن بالاتكاء إليها.
{وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} الزرابي: أعلى أنواع الفرش.
{مَبْثُوثَةٌ} منشورة في كل مكان، ومفرقة في المجالس.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه يعيدنا دائمًا إلى التفكر في المخلوقات، ومن خلقها، ومن المستحق العبادة، فهو سبحانه يذكر في الآيات القادمة مخلوقات قريبة يراها العرب صباحًا ومساء، وفي التفكر في عظم خلقها، وحسن صورتها وقوة تحملها؛ دعوة إلى عبادة من خلقها وأبدع خلقها قال سبحانه وتعالى.
تجمع هذه الآيات الأربعة التالية مشاهد عظيمة، يصبح الإنسان ويمسي وهو يراها خاصة في بيئة مكة والعرب من حولها، فهي تبدأ النظر من الإبل، ثم ترتفع لتصل إلى الأعلى إلى السماء الأكثر ارتفاعًا والأكبر حجمًا ثم تنزل من علو إلى الجبال التي تجاهه وعلوها الأدنى من السماء، ثم تصل في النهاية إلى الأرض التي تحته وانبساطها وسهولتها! وكل ذلك تفكر في مخلوقات الله.
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} وهذا الاستفهام، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها، وعلى ما هي عليه من الخلق البديع، من عظم جثتها، وفريد قوتها، وبديع أوصافها.
{كَيْفَ خُلِقَتْ} يعني: كيف خلقها الله عز وجل، هذا الجسم الكبير المتحمل، تجد الإبل تمشي مسافات طويلة لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة.
{وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} يعني: وينظرون إلى السماء كيف رفعت هذا الارتفاع العظيم بلا عمد وبما فيها من النجوم، والشمس، والقمر.
{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} هذه الجبال العظيمة التي تحمل الصخور رفعت على الأرض، مرساة راسخة لا تميد ولا تميل ولا تزول.
{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} أي: مدت مدًا واسعًا وسهلت غاية التسهيل؛ ليستقر الخلائق على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغرسها والبنيان فيها، وغير ذلك من الفوائد العظيمة.
بعد هذه الآيات وذكر المعجزات والمخلوقات يعيد سبحانه الكرة مرة أخرى للأصل الذي خلق من أجله الإنسان، ألا وهو عبادته سبحانه وما كلف به الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعوة والقيام بأمرها، وأمره بالوعظ والتذكير فقال تعالى.
{فَذَكِّرْ} أمر الله سبحانه وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يذكر ويعظ ويخوف.
{إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} أي: لست إلا مذكرًا مبلغًا؛ فإن مهمة الأنبياء البلاغ.
{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} يعني: ليس لك سلطة عليهم حتى تكرههم على الإيمان، فإن الهداية بيد الله عز وجل يهدي من يشاء.
{إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} .
{إِلَّا} هنا بمعنى لكن.
{تَوَلَّى} أعرض وتولى عن الوعظ.
{وَكَفَرَ} أي: استكبر ولم يقبل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
{فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} والعذاب الأكبر عذاب جهنم الدائم يوم القيامة.
{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} أي: مرجع الخلائق إلينا بعد الموت.
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} محاسبهم، ومجازاتهم بأعمالهم بعد رجوعهم إلى الله بالبعث.