المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة المطففين - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة المطففين

‌تفسير سورة المطففين

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا

يَفْعَلُونَ}.

سورة المطففين سورة مكية، فيها إقامة العدل ونشره، والتحذير من الظلم ونبذه، فالله عز وجل حكم عدل لا يرضى بالظلم، ولا يرضاه لعباده حتى في أقل الأمور وأصغرها شأنًا، ولهذا ذكر التخويف والوعيد لمن فسدت أخلاقه ولم يراقب الله عز وجل وظلم الناس ولو بالقليل، ومن أولئك أصحاب الأموال، وأهل البيع والشراء، الذين يظلمون الناس

ص: 57

بغشهم وخداعهم، فهم يأخذون المال من الناس كاملاً ويعطونهم أقل من حقهم من المباع، فحذرهم وذكرهم بيوم القيامة، حتى لا يتمادوا ويتوبوا من تطفيف الكيل والميزان، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله سبحانه "ويل للمطففين" فأحسنوا الكيل بعد ذلك" رواه ابن ماجة.

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .

{وَيْلٌ} الويل: الهلاك، وهي كلمة وعيد وعذاب، يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره.

{لِلْمُطَفِّفِينَ} التطفيف: النقص من الكيل أو الوزن شيئًا طفيفًا والمطففين هم الذين يفعلون ذلك، وتفسر الآيتان التاليتان معنى المطففين فهم.

{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} أي: إذا اشترى الناس منهم ما يكال استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص.

{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} يعني: إذا كالوا للناس، أي: هم الذين باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئًا وزنًا إذا وزنوا انقصوا.

{يُخْسِرُونَ} ينقصون؛ فهؤلاء يستوفون حقهم كاملاً وينقصون حق غيرهم فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل.

ثم توعد تعالى المطففين وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه فقال سبحانه:

ص: 58

{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} يقال لهم توبيخًا: ألا يتيقن هؤلاء ويعلمون علم اليقين، أنهم مبعوثون: أي مخرجون من قبورهم لله رب العالمين فمسئولون عما يفعلون ومجازون عليه.

{لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} عظيم في قوله، في أهواله فيما يحدث فيه وهو يوم القيامة.

{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} في هذا اليوم العظيم يقوم الناس من قبورهم حفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف؛ عراة ليس عليهم ثياب، ولا قمص ولا سراويل، ولا أزر ولا أردية، وفي هذا الوعيد دلالة على عظم ذنب التطفيف، ومزيد إثمه وفظاعة، عقابه.

{لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وهو الله جل وعلا.

ولما ذكر الله عز وجل يوم القيامة وقيام الناس فيه لرب العالمين، وذكر مصير الناس فيه، وأنهم ينقسمون إلى قسمين: فجار، وأبرار ابتدأ بالفجار لدناءة أعمالهم وسوء مآلهم فقال سبحانه.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} .

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ}

{كَلَّا} كلمة ردع وزجر، أي: حقًا.

{إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} أي: أن الفجار ومنهم المطففون مكتوبون في.

{سِجِّينٍ} أي: في سجل أهل النار، أو في حبس وضيق.

ص: 59

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} الاستفهام هنا للتعظيم، أي: ما لذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى يبين لك؟

{كِتَابٌ مَرْقُومٌ} مكتوب مفروغ منه، لا يزاد فيه ولا ينقص، ولا يبدل.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ويل كلمة عذاب وعقاب، ثم بين المكذبين بأنهم.

{الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} يكذبون بيوم الجزاء وهو يوم القيامة.

{وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ} أي: ما يكذب بيوم الدين وينكره.

{إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} .

{مُعْتَدٍ} في أفعاله.

{أَثِيمٍ} في أقواله، وقيل:{مُعْتَدٍ} في أفعاله {أَثِيمٍ} في كسبه، أي أن مآله إلى الإثم، والمعنيان متقاربان.

{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا} يعني إذا تلاها عليه أحد، وهذا يدل على أن هذا الرجل لا يفكر أن يتلو آيات الله، ولكنها تتلى عليه، فإذا تليت عليه.

{قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي: هذا أساطير الأولين، وأحاديثهم وأباطيلهم.

{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} .

{كَلَّا} للردع والزجر للمعتدي.

{بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: اجتمع عليها وحجبها عن الحق.

{مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الأعمال السيئات كثرت عليهم السيئات فأحاطت بقلوبهم.

ص: 60

{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أي: حقًا إنهم عن رؤية ربهم وخالقهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة، فإنهم يحجبون عن رؤية الله عز وجل كما حُجبوا عن رؤية شريعته وآياته فرأوا أنها أساطير الأولين.

{* ثُمَّ إِنَّهُمْ} أي: أن هؤلاء الفجار مع هذه العقوبة البليغة.

{لَصَالُو الْجَحِيمِ} يصلون حرارتها أو عذابها.

{ثُمَّ يُقَالُ} أي: يقول لهم خزنة النار، يقال تقريعًا لهم وتوبيخًا.

{هَذَا} العقاب.

{الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} أي: النار، فيجتمع عليهم العذاب البدني والألم البدني بصلي النار، وكذلك العذاب القلبي بالتوبيخ والتنديم حيث يقال:{هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} .

ولما ذكر الله عز وجل المآل الذي يؤول إليه الفجار، والعياذ بالله ذكر الأبرار ومنزلتهم وما أعده الله عز وجل لهم فقال:

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} .

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} الأبرار هم المؤمنون الصادقون العاملون بالبر والتقوى، وكتاب الأبرار في عليين في أعلى الجنة، يوحي بالعلو والارتفاع.

ص: 61

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} أي: ما الذي أعلمك يا محمد ما عليون؟ على جهة التفخيم والتعظيم.

{كِتَابٌ مَرْقُومٌ} أي: أن كتاب الأبرار الذي فيه أسماؤهم كتاب مرقوم مكتوب لا يتغير ولا يتبدل.

{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} يشهده أي: يحضره.

{الْمُقَرَّبُونَ} عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته من الملائكة الكرام وأرواح الأنبياء، والصديقين والشهداء.

ثم يذكر سبحانه وتعالى حال الأبرار أنفسهم، أصحاب هذا الكتاب الكريم، ويصف ما هو فيه من نعيم في ذلك اليوم العظيم.

{إِنَّ الْأَبْرَارَ} الأبرار: جمع بر، والبر كثير الخير، كثير الطاعة.

{لَفِي نَعِيمٍ} النعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب.

{عَلَى الْأَرَائِكِ} الأرائك جمع أريكة، وهي السرير المزخرف المزين الذي وضع عليه مثل الظل.

{يَنْظُرُونَ} يعني ينظرون إلى ما أنعم الله به عليه من النعيم الذي لا تدركه الأنفس، وقيل: ينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامات وأعظمها النظر إلى وجهه الكريم.

{تَعْرِفُ} أي: عرف أيها الناظر إليهم.

{فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أي: إذا رأيهم عرفت أنهم من أهل النعمة، لما تراه في وجوههم من النور والحسن.

{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} .

{يُسْقَوْنَ} يعني: الأبرار يسقيهم الله عز وجل بأيدي الخدم.

ص: 62

{مِنْ رَحِيقٍ} أي: من شراب خالص من الخمر لا شوب فيه ولا ضرر فيه على العقل.

{مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ} أي: بقيه وآخره مسك، أي طيب الريح.

{وَفِي ذَلِكَ} أي: وفي هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم.

{فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ *} أي: وفي هذا الثواب والجزاء فليتسابق المتسابقون سباقًا يصل بهم إلى حد النفس، والتنافس: التشاجر على الشيء والتنازع فيه، فيريده كل واحد لنفسه، ويضن به لعظم منزلتهم وما ينالهم من النعيم، عكس حال المطففين الذين يتنافسون على جمع حطام الدنيا من أوجه محرمة، ومن أكل أموال الناس بالباطل.

{وَمِزَاجُهُ} أي: مزاج هذا الشرب الذي يسقاه هؤلاء الأبرار.

{مِنْ تَسْنِيمٍ} أي: من عين رفيعة معنى وحسًا.

{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} أي: أن هذه العين والمياه النابعة والأنهار الجارية يشرب منها ويروى بها المقربون.

وبعد سياق هذا النعيم المقيم وما فيه من النعم والكرامة، يذكر الله عز وجل حال وموقف الفجار من المسلمين الذين يسخرون من الذين آمنوا في الدنيا، وختم بأن الجزاء من جنس العمل، حيث ذكر حال هؤلاء المجرمين المستهزئين في الدنيا بالمؤمنين، ثم ذكر حال المؤمنين يوم القيامة يتفرجون عليهم وهم يعذبون وفي تقديم النعيم والجزاء قبل ذكر الأذى والاستهزاء مدعاة إلى الصبر والتحمل، قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ

ص: 63

هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} وهم الكفرة، قاموا بالجرم وهو المعصية والمخالفة.

{كَانُوا} أي: في الدنيا.

{مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} استهزاء وسخرية واستصغارًا لهم.

{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} إذا مر المجرمون بالمؤمنين.

{يَتَغَامَزُونَ} يعني: يغمز بعضهم بعضًا، انظر إلى هؤلاء، سخرية واستهزاء واستصغارًا، وأنهم لضالون لإيمانهم بمحمد وتركهم شهوات الحياة.

{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ} إذا رجع وانصرف المجرمون إلى أهلهم، وقد تهكموا واستهزؤوا بالمؤمنين.

{فَكِهِينَ} متفكهين معجبين بما نالوه من السخرية بهؤلاء المؤمنين.

{وَإِذَا رَأَوْهُمْ} أي: رأى المجرمون المؤمنين.

{قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} ضالون عن الصواب، متأخرون، متزمتون، متشددون إلى غير ذلك من الألقاب التي تتكرر في كل زمان ومكان.

{وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} أي: أن هؤلاء المجرمين ما بعثوا حافظين لهؤلاء المؤمنين يرقبونهم ويحكمون عليهم، بل الحكم لله عز وجل.

ص: 64

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} اليوم يعني: يوم القيامة أي في هذا اليوم الذين آمنوا يضحكون من الكفار؛ لما وجدوا من النعيم وحسن الثواب على صبرهم.

{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} أي: أن المؤمنين على الأرائك في الجنة والأرائك هي السرر الفخمة الحسنة، ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب.

{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

{ثُوِّبَ} أي: جوزيَ و {هَلْ} هنا للتقرير أي: أن الله تعالى قد عاقب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ورموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، ورأوهم في العذاب والنكال الذي هو عقوبة الغي والضلال.

* * *

ص: 65