المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الانفطار - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة الانفطار

‌تفسير سورة الانفطار

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلهِ} .

سورة الانفطار سورة مكية، ذكر الله عز وجل فيها ما أكرم به الإنسان من النعم العظيمة والآلاء الجسيمة وعرفه نعمه عليه، ومع كثرة النعم وجزيل العطاء، ربما يحمل ذلك الإنسان على معصية الله عز وجل لما يراه من تتوالي النعم وتوافر الخيرات، ولا يردعه عن ذلك مثل التذكير والاتعاظ ومعرفته بأن الأحوال تتغير، وأن الله لا يرضى أن تكون نعمه وسيلة لمقارفة المعاصي والآثام، وفي سورة الانفطار تحذير الإنسان من الاغترار بالنعم والتمادي في المعصية، لأن أمامه يوم عظيم، وموقف عصيب، يجازي فيه الإنسان على ما قدم وأخر من الأعمال، وهو يوم القيامة الذي ذكر الله بعضًا من صفاته وأحواله في هذه السورة.

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ

ص: 51

رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ *} يعني: تشققت لنزول الملائكة.

{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} يعني: النجوم صغيرها وكبيرها، تنتشر وتتفرق وتتساقط، لأن العالم انتهى.

{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} أي: فُجر بعضها على بعض وملئت الأرض.

{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} أي: بعثرت وقلب ترابها، وأخرج ما فيها من الأموات أحياء يسيرون ليوم عظيم.

ومع التبدل والتحول في هذا العالم ينكشف الغطاء، ويزول ما كان خفيًا وتعلم كل نفس ما أحضرت قال تعالى:

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} علمت كل نفس ما قدمت وأخرت، وذلك بما يعرض عليها من الكتاب، وعلمت ما قدمت من عمل خير أو شر.

ثم تحدثت الآيات عن جحود الإنسان وكفرانه لنعم الله، وهو يتلقى فيوض النعمة منه، جل وعلا، ولكنه لا يعرف للنعمة حقها، ولا يعرف لربه قدره، ولا يشكر على الفضل والنعمة والكرامة.

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ} المراد بالإنسان هنا الكافر، وقيل: الإنسان من حيث هو إنسان، وناداه سبحانه بصفة الإنسان لما أودع فيه من العقل وميزه به عن سائر المخلوقات.

{مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} يعني: أي شيء خدعك وسول لك حيث تكذب بالبعث، وتعصي الله في الأمر والنهي، وقيل أنه سبحانه ذكر

ص: 52

الكريم دون سائر أسمائه وصفاته، لأنه لا ينبغي مقابلة الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور.

{الَّذِي خَلَقَكَ} خلقك من نطفة ولم تك شيئًا وأوجدك من العدم ولم تك شيئًا.

{فَسَوَّاكَ} أي: جعلك مستوي الخلقة تسمع وتبصر وتعقل.

{فَعَدَلَكَ} أي: جعلك معتدل القامة حسن الصورة، وجعل أعضاءك متعادلة متناسبة.

{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} أي: الله ركبك في أي صورة شاء، وهذا من نعم الله على الإنسان أنه سوى خلقه وحسن صورته.

ومع هذا العطاء الجزيل والنعم المتتالية إلا أن هناك من يجحد هذه النعمة ويصرف العبادة لغير الله.

{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} .

{كَلَّا} للردع والزجر عن الاغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر به، يعني: مع هذا الخلق والإمداد والإعداد.

{تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} أي: لا تصدقون بالجزاء والحساب.

{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} أي: من الملائكة يحفظون ويكتبون أعمالكم.

{كِرَامًا} على ربهم.

{كَاتِبِينَ} يكتبون ويدونون أعمالكم.

{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} إما بالمشاهدة إن كان فعلاً وإما بالسماع إن كان قولاً بل إن عمل القلب يطلعهم الله عليه فيكتبونه.

ص: 53

ثم لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة النعم العظيمة، ووجوب طاعة الله ومراقبته، وأن كل ما يعمله الإنسان محصى ومكتوب له أو عليه ذكر منازل المطيعين ومنازل العاصين، فقال سبحانه:

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلهِ} .

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} هذا بيان للنهاية والجزاء، والأبرار جمع بر وهم كثيروا فعل الخير والطاعات، المتباعدون عن الشر، القائمون بحقوق الله وحقوق عباده.

{لَفِي نَعِيمٍ} أي: نعيم في القلب، ونعيم في البدن.

{وَإِنَّ الْفُجَّارَ} الفجار: هم الكفار الذين كفروا بربهم وقصروا في حقوق الله وحقوق عباده.

{لَفِي جَحِيمٍ} أي: في نار حامية.

{يَصْلَوْنَهَا} يعني: يدخلونها ويحترقون بها.

{يَوْمَ الدِّينِ} أي: يوم الجزاء وذلك يوم القيامة.

{وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} أي: لن يغيبوا عنها فيخرجوا منها.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} هذا الاستفهام للتفخيم والتعظيم.

{ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} تأكيد: أي: ما أعلمك ما يوم الحساب والجزاء وما فيه من أهول وشدائد، ثم يأتي الجواب الواضح، يبين حال الإنسان وواقعه في ذلك اليوم.

{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} يوم القيامة لا أحد يملك لأحد شيئًا لا يجلب خير ولا بدفع ضرر إلا بإذن الله عز وجل.

ص: 54

{وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلهِ} في الآخرة الأمر لله عز وجل، ولا تملك نفس لنفس شيئًا إلا بإذن الله والله عز وجل يتفرد به سبحانه، لا يملك أحدًا في ذلك اليوم شيئًا كما ملكهم في الدنيا ولا يقهره قاهر ولا ينازعه أحد.

ص: 55