المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة البينة - تفسير القرآن العظيم - جزء عم

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌تفسير سورة البينة

‌تفسير سورة البينة

بسم الله الرحمن الرحيم

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَاتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} .

سورة البينة سورة مدنية ذكر الله فيها أحوال الأمم السابقة، فإنه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يعيشون في ظلمات الكفر والشرك من عبادة الأصنام والنجوم والكواكب، والأشجار والأحجار فبعث الله محمدًا هاديًا ومبشرًا بهذا الدين العظيم، دين الفطرة الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده، وابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن اليهود والنصارى، وموقفهم من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بان لهم الحق وسطعت أواره وبعد أن عرفوا أوصاف النبي المبعوث آخر الزمان، وكانوا ينتظرون بعثته ومجيئه فلما بعث خاتم الرسل كذبوا برسالته وكفروا وعاندوا قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَاتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ

ص: 137

الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ *}

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} .

{لَمْ يَكُنِ} يعني: ما كان الكفار.

{الَّذِينَ كَفَرُوا} بمحمد صلى الله عليه وسلم.

{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} اليهود وكتابهم التوراة، والنصارى وكتابهم الإنجيل.

{وَالْمُشْرِكِينَ} المشركون هم عبدة الأوثان من كل جنس من بني إسرائيل ومن العرب ومن غيرهم.

{مُنْفَكِّينَ} أي: تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر ولا منتهين عنه.

{حَتَّى تَاتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي: إلى أن تأتي البينة؛ والبينة: ما بين به الحق في كل شيء، وهو القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم.

{رَسُولٌ} هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذكره باسم الرسول تعظيمًا له.

{مِنَ اللهِ} يعني: أن الله أرسله إلى العالمين بشيرًا ونذيرًا.

{يَتْلُو} يقرأ لنفسه وللناس.

{صُحُفًا} جمع صحيفة، وهي الورقة أو اللوح أو ما أشبه ذلك مما يكتب به.

{مُطَهَّرَةً *} أي: منقاة من الشرك والباطل، ومن رذائل الأخلاق مصونة عن التحريف واللبس.

{فِيهَا} أي: في هذه الصحف.

{كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} كتب: أي مكتوبات قيمة من الآيات والأحكام، والقيمة: المستقيمة المستوية المحكمة.

ص: 138

{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي: أن تفرقهم واختلافهم لم يكن لاشتباه الأمر، بل كان بعد وضوح الحق، وظهور الصواب، ثم بعث الله محمدًا فآمن به بعضهم وكفر آخرون.

{وَمَا أُمِرُوا} في الكتب المنزلة، وفي القرآن أيضًا، وهذا يبين أن الأدباء السماوية أصلها واحد.

{إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ليلتزموا بعبادة الله، وتكون عبادتهم له خالصة لا يشركون به شيئًا.

{حُنَفَاءَ} مائلون من الشرك إلى التوحيد، مستقيمون على ملة إبراهيم عليه السلام ودين محمد صلى الله عليه وسلم.

{وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} أي: يفعلوا الصلوات في أوقاتها ويعطوا الزكاة عند محلها، وخص الصلاة والزكاة، لأنهما من أعظم أركان الدين.

{وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي: إن ذلك الدين هو دين الملة المستقيمة من الإخلاص والصلاة والزكاة، فلا ينبغي التفرق عنه.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} .

بين الله تعالى في أول السورة كفر اليهود والنصارى والمشركين، وأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، كانوا ينتظرون بعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث تفرقوا فيه فمنهم من آمن به، وكفر به أكثرهم، وكذلك الناس منهم المؤمن والكافر به، عليه الصلاة والسلام وهذه الآيات تبين مآل الفريقين

ص: 139

وجزاءهم كما قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} بين الله تعالى في هذه الآية بيانًا مؤكدًا بـ (إن) إن الذين كفروا من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، والمشركين وهم عباد الأوثان والأصنام وغيرها.

{فِي نَارِ جَهَنَّمَ} أي: في النار التي تسمى جهنم، وسميت جهنم، لبعد قعرها وسوادها.

{خَالِدِينَ فِيهَا} لا يفتر عنهم العذاب، ولا يخرجون منها ولا يموتون.

{أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} أي: شر الخليقة حالا، لأنهم عرفوا الحق وتركوه وخسروا الدنيا والآخرة.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} خير خلق الله عز وجل هم الذين آمنوا به وبرسله وعملوا الصالحات التي أمروا بها.

{جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} قدم الله الثناء على المؤمنين الذين عملوا الصالحات على ذكر جزائهم ثم ذكر جزاءهم.

{جَنَّاتُ} جمعها لاختلاف أنواعها.

{جَنَّاتُ عَدْنٍ} العدن بمعنى الإقامة والاستقرار في المكان وعدم النزوح عنه.

{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} من تحت قصورها وأشجارها، وإلا فهو على سطحها وليس أسفل.

{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي: ماكثين فيها أبدًا، لا يموتون ولا يمرضون، ولا يبأسون، ولا يألمون، ولا يحزنون ولا يمسهم فيها نصب، وهم في

ص: 140

نعيم دائم لا ينقطع.

{رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وهذا أكمل نعيم، أن الله تعالى يرضى عنهم، فيحل عليهم رضوانه، فلا يسخط بعده أبدًا، ورضوا عنه بما أكرمهم به من النعيم.

{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي: ذلك الجزاء والإحسان والرضا، حاصل لمن خشي الله عز وجل، والخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم.

ص: 141