الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الغيرة}
المعنى في اللغة:
الغيرة: تدل على صلاح وإصلاح ومنفعة، ومنه غارهم الله بالغيث: أي أصلح شأنهم ونفعهم، ومنه: غيرة الرجل على أهله؛ لأنها صلاح ومنفعة (1).
والغيرة تطلق على الحمية والأنفة (2).
المعنى في الشرع:
الغيرة ثابتة لله تعالى وفسرت الغيرة بكراهة الشيء، ولايمتنع إطلاقها على الله سبحانه لأنه ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولايخرجها عما تستحق (3)، والغيرة صفة كمال فمن المعلوم بالاضطرار أنا إذا قدرنا موجودين أحدهما عنده قوة يدفع بها الفساد، والآخر لا فرق عنده بين الصلاح والفساد، كان الذي عنده تلك القوة أكمل، ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش ويمدح الذي له غيرة، ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربه بالأكملية في ذلك فنفى وجود من هو أغير من الله تعالى (4).
وغيرة الله سبحانه مختصة به لا تماثله غيرة المخلوق، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه كالقول في الاستواء والنزول الرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه وتعالى (5).
وروده في القرآن:
لم ترد الغيرة في كتاب الله تعالى وقد ثبتت في السنة.
تنوعت الأحاديث في إثبات هذه الصفة لله عز وجل وقد ثبتت في أحاديث ابن مسعود، وحديث أسماء بنت أبي بكر، وحديث عائشة، وحديث المغيرة، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهم:
604 -
(290) حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا أحد أغير من الله ولذلك حَرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولاشيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه} وفي رواية: {المدحة} أخرجه البخاري تاماً ومختصراً، ومسلم تاماً مرة وفي الرواية تقديم وتأخير، وفي رواية مختصراً، ورواه الترمذي.
وعند مسلم زيادة: {وليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل} .
605 -
(291) حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها:
(1) معجم مقاييس اللغة (غير)(4/ 403، 404)، اللسان (غير)(6/ 3325، 3326).
(2)
النهاية (غير)(3/ 401).
(3)
انظر: إبطال التأويلات (1/ 165).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (6/ 119، 120).
(5)
انظر: شرح كتاب التوحيد (1/ 335، 336)، تعليق ابن باز على فتح الباري (2/ 531).
قوله صلى الله عليه وسلم: {ليس شيء أغير من الله عز وجل} أخرجه البخاري ومسلم، والترمذي محيلاً متنه إلى متن حديث أبي هريرة وسيأتي.
606 -
(292) حديث عائشة رضي الله عنها:
وفيه ذكر صلاة الخسوف والخطبة وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: {يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته} وفي لفظ: {يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني} أخرجه البخاري ومسلم بلفظ: {إنْ من أحد أغير من الله
…
} والنسائي باللفظ الأول.
607 -
(293) حديث المغيرة رضي الله عنه:
وفيه أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفَح فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني} أخرجه البخاري، ومسلم وفيه:{إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني} وفي إحدى الروايات عند البخاري اللفظ الأول وزيادة: {ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا أحدٌ أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ولا أحد أحب إليه المِدْحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة} وعند مسلم نحوه ولكن بلفظ: {ولا شخص أغير من الله} ، {ولا شخص أحب إليه} في العبارتين.
608 -
(294) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله} أخرجه البخاري، ومسلم بلفظ:{المؤمن يغار والله أشد غيراً} ورواه الترمذي بلفظ البخاري وزاد: {والمؤمن يغار} .
التخريج:
خ:
حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
كتاب التفسير: سورة الأنعام: باب قوله: {ولاتقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} (6/ 72)(الفتح 8/ 295، 296)
ثم سورة الأعراف: باب {إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} (6/ 74)(الفتح 8/ 301 - 302)
كتاب التوحيد: باب قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} ، وقوله جلّ ذكره:{تعلم مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك} (9/ 147)(الفتح 13/ 383).
حديث عائشة رضي الله عنها:
كتاب الكسوف: باب الصدقة في الكسوف (2/ 42)(الفتح 2/ 529).
حديث المغيرة رضي الله عنه:
كتاب الحدود: باب من رأى مع امرأته رجلاً فقتله (8/ 215)(الفتح 12/ 174).
كتاب التوحيد: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لاشخص أغير من الله} (9/ 151)(الفتح 13/ 399)
وجمع البخاري الأحاديث الخمسة في موضع واحد في:
كتاب النكاح: باب الغيرة (7/ 45)(الفتح 9/ 319) وفيه حديث المغيرة معلقاً.
م:
أحاديث ابن مسعود، وأبي هريرة، وأسماء رضي الله عنهم في:
كتاب التوبة: باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (17/ 77 - 79).
حديث المغيرة رضي الله عنه في:
كتاب اللعان (10/ 131، 132).
وحديث عائشة رضي الله عنها في:
كتاب الكسوف (6/ 198 - 201).
ت:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في:
كتاب الرضاع: باب ما جاء في الغيرة (3/ 471) وقال: حسن غريب. وفيه حديث أسماء ثم قال: وكلا الحديثين صحيح.
حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
كتاب الدعوات: باب رقم (96)(5/ 542، 543) وقال: حسن غريب صحيح من هذا الوجه، وفي (تحفة الأحوذي 9/ 508): حسن صحيح، ومثله في (تحفة الأشراف 7/ 50، 51).
س:
كتاب الكسوف: صلاة الكسوف (3/ 132، 133)
ثم باب كيف الخطبة في الكسوف (3/ 152).
شرح غريبه:
المدحة: هي المدح كسرت الميم لإدخال تاء التأنيث (المعلم 2/ 143).
مصفح: يقال أصفحه بالسيف إذا ضربه بعرضه دون حده فهو مُصْفح، والسيف مُصْفَح (النهاية/ صفح/3/ 34)، وقوله:" غيرمصفح " يريد أن يضربه بحد السيف للقتل والإهلاك لابصفحه لأنه يقصد به الزجر والارهاب (أعلام الحديث 3/ 223)(المشارق 2/ 71).
الفواحش: كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيراً ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال (النهاية/ فحش/3/ 415).
العذر: الإعذار والحجة وبيّنه قوله في آخره: {ومن أجل ذلك أنزل
…
}، وقيل: التوبة والإنابة (الفتح 13/ 400)(شرح الأبي 7/ 164).
الفوائد:
(1)
قوله {ولا أحد أحب إليه المدح من الله} تنبيه على فضل الثناء على الله سبحانه وتعالى، وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وسائر الأذكار، وهذا فيه مصلحة للعباد؛ لأنهم يثنون على الله تعالى فيثيبهم وهو سبحانه غني عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم ذلك (شرح النووي 17/ 77، 78).
(2)
أن الغيرة من شيمة كرام الناس وساداتهم (شرح الأبي 4/ 149) والغيرة صفة كمال ولذا أخبر
صلى الله عليه وسلم أن سعداً غيور، وهو صلى الله عليه وسلم أغير منه والله سبحانه وتعالى أغير منه صلى الله عليه وسلم (شرح النووي 10/ 132) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد المؤمنين غيرة ولذلك أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وأصحابه تابعون له في الغيرة (العارضة 5/ 116).
(3)
أنه صلى الله عليه وسلم لما أمرهم باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء. وخص الزنا؛ لأنه أعظمها في ذلك، ولقبح هذه المعصية وشدة تأثيرها في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة الله تعالى لمن أقدم عليها (الفتح 2/ 531)(شرح الأبي 3/ 54)(شرح الكرماني 6/ 131).
(4)
أن الله تعالى لكماله المطلق مدح نفسه؛ لأنه أهل المدح والثناء ولأن الخلق لايقدرون على مدحه بما يستحق كما قال صلى الله عليه وسلم: {أنت كما أثنيت على نفسك} أما الإنسان فمنهي عن حب المدح، ومدحه نفسه نقص يلام عليه، وطلبه من الناس وتكلفه كذلك يدل على نقصه (شرح التوحيد 1/ 258).
(5)
جواز إطلاق لفظ الشخص على الله تعالى فقد صح إطلاقه صلى الله عليه وسلم هذا الاسم، والشخص كل جسم له ارتفاع وظهور، والله تعالى أظهر من كل شيء وأعظم وأكبر. وليس في إطلاق الشخص عليه محذور على أصول أهل السنة الذين يتقيدون بما قاله صلى الله عليه وسلم (شرح التوحيد 1/ 339). وقد اعترض البيهقي على إطلاق الشخص على الله (الأسماء والصفات 2/ 57).
(6)
جواز إطلاق الشيء على الله قال البخاري في باب {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: 19](خ: كتاب التوحيد: باب قل أي شيء أكبر شهادة قل الله الفتح 13/ 402)، قال البخاري: فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً وهو صفة من صفات الله، ولكن ليس من أسماء الله الحسنى الشيء وإنما يخبر عنه تعالى أنه شيء، وكذا يخبر عن صفاته أنها شيء؛ لأن كل موجود يصح أن يقال إنه شيء وهو سبحانه شيء لا كالأشياء وهو سبحانه أكبر الأشياء إثباتاً للوجود ونفياً للعدم (شرح التوحيد 1/ 343، 344).