الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع
أحاديث الصفات المبدوءة بحرف الفاء
{الفرح}
المعنى في اللغة:
الفرح: خلاف الحزن، يقال: فَرح يفرح فَرحَاً فهو فرح (1) أي مسرور.
وقد يطلق الفرح على الأشر كما في قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)} [القصص: 76]،
وقيل: لاتفرح بالمال فتصرفه في غير أمر الآخرة (2).
المعنى في الشرع:
الفرح ثابت لله عز وجل، وهو فرح حقيقي، وليس كفرح المخلوقين، وهو فرح يليق به عز وجل مثل بقية الصفات (3)، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته، فيحدث له هذا المعنى المعبر عنه بالفرح عندما يتوب عبده وينيب إليه، وهذا الفرح مستلزم لرضاه سبحانه عن عبده التائب وقبوله توبته.
وفرح المخلوق قد يكون فرح خفه وسرور، أو فرح أشر وبطر، أما فرح الله فلا يشبه فرح أحد من خلقه لا في ذاته، ولا في أسبابه، ولا في غاياته فسببه كما ل رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائب المنيب (4)، ففرحته سبحانه فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى شيء أو منتفع به (5).
وروده في القرآن:
لم يرد الفرح وصفاً لله تعالى في القرآن.
ثبتت فيه أحاديث جماعة من الصحابة وهم: ابن مسعود، وأنس، وأبو هريرة، والنعمان بن بشير، والبراء بن عازب، وجاء من حديث أبي سعيد رضي الله عنهم:
609 -
(295) حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
قال الحارث بن سويد حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه قال: {إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا} ، ثم قال: {لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه
(1) معجم مقاييس اللغة (فرح)(4/ 499، 500).
(2)
اللسان (فرح)(6/ 3371، 3372).
(3)
انظر: إبطال التأويلات (1/ 242، 243)، المحاضرات السنية (1/ 440).
(4)
انظر: شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس (111، 112).
(5)
انظر: مدارج السالكين (1/ 195).
فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ماشاء الله قال: أرجع إلى مكاني فرجع، فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده} رواه البخاري، ورواه مسلم بسنده إلى ابن مسعود وفيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{لله أشد فرحاً} بنحو لفظ البخاري مع زيادة وفي آخره قال: {فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده} .
ورواه الترمذي وفصل الحديث الموقوف عن المرفوع وفي لفظه زيادات.
610 -
(296) حديث أنس رضي الله عنه:
قال: قال صلى الله عليه وسلم: {الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة} رواه البخاري، ورواه مسلم بلفظ: {لَلَّه أشد فرحاً بتوبة
عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه
وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من
راحلته فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة
الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح}
611 -
(297) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني، والله لَلَّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة} الحديث.
وفي لفظ: {لَلَّه أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها} رواه مسلم.
وعند الترمذي {لَلَّه أفرح} .
وعند ابن ماجه: {إن الله عز وجل أفرح} .
612 -
(298) حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه:
رفعه {لَلَّه أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل حمل زاده ومزاده على بعير، ثم سار حتى كان بفلاة من الأرض، فأدركته فنزل، فقال تحت شجرة، فغلبته عينه
وانسل بعيره، فاستيقظ، فسعى شرفاً فلم ير شيئاً، ثم سعى شرفاً ثانياً فلم ير
شيئاً، ثم سعى شرفاً ثالثاً فلم ير شيئاً، فأقبل حتى أتى مكانه الذي قال فيه
فبينما هو قاعد إذ جاءه بعيره يمشي حتى وضع خطامه في يده، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره} رواه مسلم.
613 -
(299) حديث البراء بن عازب رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب، فطلبها حتى شق
عليه، ثم مرت بجذْل شجرة فتعلق زمامها، فوجدها متعلقة به؟ قلنا: شديداً يا رسول الله، فقال: أما والله لله أشد فرحاً بتوبة عبده من الرجل براحلته} رواه مسلم.
614 -
حديث أبي سعيد رضي الله عنه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لله أفرح بتوبة عبده من رجل أضل
راحلته بفلاة من الأرض، فالتمسها حتى إذا أعيا تسجى بثوبه فبينما هو كذلك
إذ سمع وجبة الراحلة حيث فقدها، فكشف الثوب عن وجهه فإذا هو براحلته} رواه ابن ماجه.
التخريج:
خ: كتاب الدعوات: باب التوبة (8/ 83، 84)(الفتح 11/ 102). ولم يصرح برفع أو وقف لأحدهما.
وجزم النووي، وابن بطال ووافقهما ابن حجر بأن حديث الفرح هو المرفوع (الفتح 11/ 150).
م: كتاب التوبة (17/ 59 - 64).
ت: كتاب صفة القيامة: باب (49)(4/ 659) وسقط في المجردة السند وأول المتن وقد راجعته في (تحفة الأحوذي 7/ 200، 201) وفي (العارضة 9/ 307، 308) سقط من السند.
كتاب الدعوات: باب فضل التوبة والاستغفار (5/ 547) وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
جه: كتاب الزهد: باب ذكر التوبة (2/ 1419)
في (الزوائد/552) إسناد حديث أبي سعيد ضعيف لضعف عطية العوفي وسفيان بن وكيع وأصل الحديث أخرجه البخاري، ومسلم من حديث ابن مسعود وأنس. انظر:(مصباح الزجاجة 4/ 247)
شرح غريبه:
مَهْلكة: ـ بفتح الميم واللام بينهما هاء ساكنة ـ وقال ابن الأثير: تفتح لامها وتكسر وهي موضع الهلاك أو الهلاك نفسه جمعها مهالك (النهاية/ 5/ 271)(الفتح 11/ 106).
دوية: وعند مسلم وغيره {دويّة} الدوّ الصحراء التي لانبات بها، والدوية منسوبة إليها وقد تبدل من إحدى الواوين ألف فيقال داويّة على غير قياس (النهاية/ 2/ 143).
سقط على بعيره: عثر على موضعه، وظفر به (أعلام الحديث 3/ 2238).
مَزادة ـ بفتح الميم ـ اسم جنس للمزادة وهي القربة العظيمة سميت بذلك؛ لأنه يزاد فيها جلد آخرلتتسع وقيل: المزادة والراوية سواء، وقيل: هي القربة (المشارق 1/ 314).
انسل بعيره: خرج ولم يحس به (المشارق 2/ 217).
شرفاً: الشرف العلو، والاستشراف النظر من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه (النهاية/ شرف/2/ 462). فالشرف ما علا من الأرض، واستشرف الشيء علاه (المشارق 2/ 249).
بجذل شجرة: أصل الشجرة (النهاية/ جذل/1/ 251).
الفوائد:
(1)
الترغيب في التوبة والحث على تعجيلها. والتوبة نعمة من الله أنعم بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم (شرح الأبي 7/ 153).
(2)
أن ما قيل من مثل هذا الدهش أو الذهول غير مؤاخذ به، وكذلك حكايته عنه على طريق علم وفائدة شرعية لا على وجه الهزء والمحاكاة. ودليل الجواز: حكايته صلى الله عليه وسلم ولو كان منكراً لم يحكه (شرح الأبي 7/ 154).
(3)
في قول ابن مسعود تنبيه إلى أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ذلك عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل: أن غيره من المهلكات قد يحصل منه النجاة بخلاف الجبل إذا سقط عليه لا ينجو منه عادة، والفاجر ذنبه سهل عليه؛ لأن قلبه مظلم. وهو من الأدلة على فجور الشخص إذا لم يحزن على ذنوبه وهوَّنها، وخففها على نفسه، ودليل على إيمان من حزن على ذنوبه وخاف منها (بهجة النفوس 4/ 201، 202).
(4)
بركة الاستسلام لله تعالى، فلما ترك صاحب الراحلة جده وطلبه، وسلَّم أمره لله، واستسلم أرسل الله عليه النوم وهو من علامات الرحمة عند الوقوع في الشدائد، ثم استيقظ ووجد راحلتة عنده. ولكن لابد من عمل الأسباب فإذا لم تنجح فإنه يعمل على مقتضى التسليم للقدر والرضاء (بهجة النفوس 4/ 205، 206).