المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌64 - {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ}؛ أي: يخاف المنافقون، قيل: هو خبر - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌64 - {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ}؛ أي: يخاف المنافقون، قيل: هو خبر

‌64

- {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ} ؛ أي: يخاف المنافقون، قيل: هو خبر ليس بأمر. وقال الزجاج: هو خبر بمعنى الأمر، فهو على تقدير ليحذر المنافقون {أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} ؛ أي على المؤمنين، وقرىء بالتخفيف وبالتشديد {سُورَةٌ} من سور القرآن {تُنَبِّئُهُمْ}: أي: تخبر المؤمنين {بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} ؛ أي: بما في قلوب المنافقين، من النفاق والحسد والعداوة للمؤمنين، وذلك أن المنافقين كانوا فيما بينهم يذكرون المؤمنين بسوءٍ ويسترونه، ويخافون الفضيحة، ونزول القرآن في شأنهم.

ويجوز (1) أن تكون الضمائر للمنافقين؛ فإنَّ النازل فيهم كالنازل عليهم، من حيث إنه مقروءٌ، ومحتجٌ به عليهم.

والمعنى: يخاف المنافقون أن ينزل في شأنهم سورة تفضحهم بإظهار ما في قلوبهم للمؤمنين، وذلك يدل على ترددهم أيضًا في كفرهم، وأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيءٍ.

والخلاصة: أنهم يحذرون أن تنزل سورة في شأنهم، وبيان حالهم، فتكون في ذلك فضيحتهم وكشف عوراتهم، وإنذارهم ما قد يترتب عليه من عقابهم.

ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن يجيب عليهم، فقال:{قُلِ} لهم يا محمد {اسْتَهْزِئُوا} أمر تهديد على حد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ؛ أي: افعلوا الاستهزاء بالله وبرسوله وبآياته {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {مُخْرِجٌ} ومظهر {مَا تَحْذَرُونَ} من إنزال سورة تهتك ستركم، أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم، والمعنى؛ أي: قل لهم استهزئوا، فإن الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به، ويبين أمركم، من قرآن أو وحي.

‌65

- ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد على فعلم، وكونه سببًا لإخراجه تعالى ما يحذرون ظهوره من مخبآت سرائرهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي، لئن سألت يا محمد هؤلاء المستهزئين عما قالوه من الطعن في الدين،

(1) البيضاوي،

ص: 325

وثلب المؤمنين، بعد أن يبلغ إليك ذلك، ويطلعك الله عليه {لَيَقُولُنَّ} معتذرين عما قالوا {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ولم نكن في شيء من أمرك ولا أمر المؤمنين؛ أي: إنما كنا نخوض ونتحدث بالحديث الباطل الذي لا معنى له، نقطع به عنا الطريق كحديث الركب المسافرين في الطريق لتقصر عليه المسافة، {وَنَلْعَبُ}؛ أي: نضحك بما نقول، ولا نقصد معناه.

أي: إنك إن سألتهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها، بأنهم لم يكونوا جادين ولا منكرين، بل هازلين لاعبين للتسلي والتلهي، وكانوا يظنون أن هذا عذر مقبول، لجهلهم أن اتخاذ الدين هزوًا ولعبًا كفرٌ محضٌ، كما قال تعالى:{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)} وقال: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)} .

ويدخل في عموم الآية المبتدعون في الدين، والذين يخوضون في الداعين، إلى الكتاب والسنة، ويستهزئون بهم لاعتصامهم بهما.

أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى تبوك، إذ نظر إلى أناس بين يديه يقولون: أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات .. فاطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: "احبسوا على هؤلاء الركب"، فأتاهم، فقال:"قلتم كذا، وقلتم كذا"، قالوا: يا نبيَّ الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيهم ما تسمعون.

ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يجيب عنهم، فقال:{قُلِ} لهم يا محمد {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} والاستفهام للتقريع والتوبيخ حقه الدخول على كان، وأثبت وقوع ذلك منهم، ولم يعبأ بإنكارهم؛ لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار، بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم، حيث جعل المستهزأ به واليًا لحرف الاستفهام؛ أي: أكنتم تستهزئون، وتسخرون بالله؛ أي: بفرائض الله وحدوده وأحكامه وبآياته؛ أي: وبكتابه وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

والمعنى: كيف تقدمون على الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، ولا يستقيم ذلك

ص: 326