المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يؤمنوا بالله وملائكته واليوم الآخر {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} في الآخرة وهذا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: يؤمنوا بالله وملائكته واليوم الآخر {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} في الآخرة وهذا

يؤمنوا بالله وملائكته واليوم الآخر {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} في الآخرة وهذا من أنباء الغيب التي لا تعلم إلا بوحي من الله عز وجل، وفي استعمال البشارة فيما يسوء ويكره، ضرب من التهكم بهم، وفيه من الوعيد ما لا يخفى، فالبشارة على سبيل الاستهزاء، كما يقال إكرامهم الشتم وتحيتهم الضرب، أو المعنى أخبرهم بالقتل بعد أربعة أشهر،

‌4

- وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} قال الزجاج (1): إنه استثناء من قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الخ والتقدير: براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين من المشركين إلا الذين لم ينقضوا العهد منهم، وقال في "الكشاف": إنه مستثنى من قوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} والتقدير: فقولوا لهم: سيحوا في الأرض إلا الذين عاهدتم من المشركين {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} من شروط الميثاق ولم يضروكم؛ أي: لم يقع منهم أيُّ نقص وإن كان يسيرًا.

وفيه دليلٌ على أنه كان من أهل العهد من خان بعهده، ومنهم من ثبت عليه فأذن الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم، بنقض عهد من نقض وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته {وَلَمْ يُظَاهِرُوا}؛ أي: ولم يعاونوا {عَلَيْكُمْ أَحَدًا} من أعدائكم، وقرأ عطاء بن السائب الكوفي وعكرمة وأبو زيد وابن السميقع {ينقضوكم} بالضاد المعجمة، وهو على حذف مضاف؛ أي: ثم لم ينقضوا عهدكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، لدلالة الكلام عليه.

{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} ؛ أي: إلى وقت أجلهم تسعة أشهر، كما سيأتي قريبًا، والمعنى (2): لا تمهلوا الناكثين للعهد فوق أربعة أشهر، إلا الذين عاهدتموهم ثم لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين في المسارعة إلى قتالهم، بل أتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، بشرط أن لا ينقضوا شيئًا من شروط الميثاق، ولا يضاروكم ولا يعاونوا عليكم أحدا من أعدائكم؛ أي: فلا تجعلوا الوافين كالغادرين، وهم بنو ضمرة حيٌّ من كنانة، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، بإتمام عهدهم إلى مدتهم، وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر، فإنهم ما غدروا من

(1) المراغي.

(2)

المراح.

ص: 130

هذين الوجهين.

وفي ذلك (1) إيماءٌ إلى أن الوفاء بالعهد من فرائض الإِسلام ما دام العهد معقودًا، وإلى أنَّ العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته، وإلى أنَّ من شروط وجوب الوفاء به محافظة العدوِّ المعاهد لنا على ذلك العهد بحذافيره، بنصه وفحواه، فإن نقص شيئًا منه وأخل بغرض من أغراضه .. عد ناقضًا له، كما قال:{ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} ويدخل في الإخلال مظاهرة أحد من الأعداء على المسلمين؛ لأن المقصود من المعاهدات ترك قتال كل من الفريقين المتعاهدين للآخر، وحرية التعامل بينهما.

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ؛ أي: الذين يتقون نقض العهد، وخفر الذمم وسائر المفاسد التي تخل بالنظام، وتمنع جريان العدل بين الناس.

وفي ذلك إيماء إلى أنَّ مراعاة حقوق العهد تدخل في حدود التقوى، وإلى أن التسوية بين الوفيِّ والغادر منافية لذلك، وإن كان المعاهد مشركًا.

وقد ورد في تنفيذ أمر الله بهذه البراءة والأذان بها؛ أي: التبليغ العلني، أحاديث في الصِّحاح، أشهرها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل أبا بكر رضي الله عنه أميرًا على الحج سنة تسع، وأمره أن يبلغ المشركين الذين يحضرون الحجَّ أنهم يمنعون منه بعهد ذلك العام، ثم أردفه بعليِّ كرم الله وجهه ليبلغهم عنه نبذ عهودهم المطلقة وإعطاءهم مهلة أربعة أشهر، لينظروا في أمرهم، وأن العهود المؤقتة أجلها نهاية وقتها، ويتلو عليهم الآيات المتضمنة لنبذ العهود وما يتعلق بها، من أول سورة براءة وهي نحو أربعين آية.

وقد كان من عادة العرب أنَّ العهود ونبذها إنما يكون ممن عاقدها أو من أحد عصبته القريبة، وإنَّ عليًّا اختصَّ بذلك مع بقاء إمارة الحج لأبي بكر، وكان يساعده على ذلك بعض الصحابة كأبي هريرة.

(1) المراغي.

ص: 131