المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِكَافِرِينَ}؛ أي: ولكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: بِكَافِرِينَ}؛ أي: ولكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ

بِكَافِرِينَ}؛ أي: ولكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ آمَنُوا} به وكانوا {مَعَهُ} في كل المهام الدينية ولا يفارقونه {جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} وقاموا بالواجب خير قيام، عملًا بداعي الإيمان وأمر الله في القرآن {وَأُولَئِكَ} المجاهدون في سبيل الله {لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} ؛ أي منافع الدارين، النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة؛ أي لهم الخيرات التى هى ثمرات الإيمان والجهاد من شرف النصر، ومحو كلمة الكفر، وإعلاء كلمة الله، وإقامة الحق والعدل، والتمتع بالغنائم، والسيادة في الأرض دون المنافقين الجبناء، الذين ألفوا الذلة والهوان، ولم يكونوا أهلًا للقيام بهذه الأعباء {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؛ أي: هم الفائزون بسعادة الدنيا، وسعادة الآخرة، دون المنافقين الذين حرموا منهما بنفاقهم بما له من الأثر في أخلاقهم وأعمالهم.

‌89

- وقوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} إلى آخره، كلام مستأنف مسوق لبيان ما لهم من الخيرات الأخروية؛ أي،: هيأ الله سبحانه وتعالى لهم في الآخرة {جَنَّاتٍ} ؛ أي: بساتين {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا} ، أي: من تحت أشجارها وقصورها {الْأَنْهَار} الأربعة الماء واللبن والخمر والعسل حالة كونهم {خَالِدِينَ فِيهَا} ؛ أي: ماكثين في تلك الجنات مكثًا مؤبَّدًا، لا نهاية له، لا يموتون ولا يخرجون منها {ذَلِكَ} المذكور من الخيرات والفلاح وإعداد الجنات، الموصوفة بتلك الصفة هو {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} والظفر الجسيم الذي لا فوز وراءه.

‌90

- وقوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} شروع في بيان أحوال منافقي الأعراب، إثر بيان أحوال منافقي أهل المدينة، والمعذرون: هم المعتذرون بالأعذار الباطلة الكاذبة {مِنَ الْأَعْرَابِ} هم سكان البوادي، وهم أخص من العرب، إذ العربي من تكلم باللغة العربية، سواء كان يسكن البادية أو الحاضرة، وهؤلاء (1) المعذرون هم أسد وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال، وقيل: هم رهط عامر بن الطفيل، قالوا: إن غزونا معك .. أغارت طيءُ على أهالينا ومواشينا،

(1) المراغي.

ص: 396

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أنبأني الله من أخباركم، وسيغنيني الله عنكم" واختلفت الروايات فيهم، بين قائل بصدقهم في الاعتذار، وقائل بكذبهم فيه، وظاهر كلام ابن عباس أنهم صادقون في اعتذارهم، وعليه يكون المراد بالذين كذبوا الله ورسوله جماعة غيرهم من المنافقين.

أي: وجاء إليك يا محمَّد المعذرون؛ أي: الذين أتوا بأعذار كاذبة، وتكلفوا عذرًا بباطل من الأعراب؛ أي: من سكان البوادي من بني غفار أو من أسد وغطفان على الخلاف فيه {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} في التخلف عن غزوة تبوك، فلم يعذرهم الله تعالى {وَقَعَدَ} عن الجهاد بغير إذن {الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في ادعائهم الإيمان وهم منافقوا الأعراب الذين لم يجيئوا إلى الرسول ولم يعتذورا.

وقال أبو عمرو بن العلاء (1): إن قومًا تكلفوا عذرًا بباطل، فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله:{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} وتخلف آخرون لا لعذر، ولا لشبهة عذر جرأة على الله تعالى، فهم المراد بقوله تعالى:{وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وهم منافقوا الأعراب، الذين ما جاؤوا وما اعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله، يعني: في ادعائهم الإيمان، فمنافقوا الأعراب قسمان: قسم جاء واعتذر بالأعذار الكاذبة، وقسمٌ لم يجىء ولم يعتذر.

والمعنى (2): وجاء الذين يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم في التخلف عن الخروج إلى تبوك، امتثالًا للنفير العام من أولي التعذير، وقعد عن القتال وعن المجيء للاعتذار الذين أظهروا الإيمان بهما، كذبًا وإيهامًا على غير اعتقاد صادق، قال أبو عمرو: كان كلا الفريقين مسيئًا، فأوعد المكذبين وبعض المعتذرين بقوله:{سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ؛ أي: سيصيب الذين كذبوا الله ورسوله من المنافقين والكاذبين من المعتذرين الذين في قلوبهم مرض عذاب أليم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار؛ أي: سيصيب الذين استمروا على الكفر منهم، لا من أسلم منهم عذاب أليم.

(1) الخازن.

(2)

البيضاوي.

ص: 397