الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبعثوا غازين معه، فجاءت عصابةٌ من أصحابه ، فيهم عبد الله بن معقل المزني، فقال: يا رسول الله، احملنا ، فقال:"والله لا أجد ما أحملكم عليه" فتولوا ولهم بكاءٌ، وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقةً ولا محملًا ، فأنزل الله عز وجل:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية ، وقد ذكرت أسمائهم في المبهمات.
التفسير وأوجه القراءة
84
- {وَلَا تُصَلِّ} يا محمد بعد الآن؛ أي: بعد عبد الله بن أبي {عَلَى أَحَدٍ} من هؤلاء المنافقين، الذين تخلفوا عن الخروج معك، وقوله:{مَاتَ} صفة لأحد، وقوله:{أَبَدًا} ظرف لتأييد النفي، منصوب بالنهي؛ أي: لا تصل أبدًا بعد اليوم على أحد مات منهم؛ لأن المقصود من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له، وهو ممنوع في حق الكفار {ولَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}؛ أي: ولا تقف عند قبره للدفن ، أو الزيارة أو الدعاء له بالتثبيت، كما تقوم على قبور المؤمنين عند دفنهم، فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دفن الميت .. وقف على قبره ودعا له.
روى أبو داود والحاكم والبزار عن عثمان رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت. وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل".
ثم بيَّن سبب نهيه عن الصلاة عليم {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: لأنهم استمروا على الكفر بالله ورسوله في السِرِّ مدَّة حياتهم {وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} ؛ أي: خارجون عن حظيرة الإسلام مفارقون أمر الله ونهيه، فليسوا أهلًا للصلاة عليهم، ولا للاستغفار لهم بالقيام عند قبورهم.
فإن قلت: لِمَ وصفهم بالفسق بعد أن وصفهم بالكفر؛ لأن الفسق أدنى حالًا من الكفر، فالكفر يشمله وغيره، فما الفائدة في وصفهم بكونهم فاسقين بعد وصفهم بالكفر؟.
قلتُ: إن الكفر قد يكون عدلًا في دينه، بأن يؤدِّي الأمانة ولا يضمر
لأحد سوءًا، وقد يكون خبيثًا في نفسه كثير الكذب والمكر والخداع، وإضمار السوء للغير، وهذا أمر مستقبح عند كل أحد، ولما كان المنافق بهذه الصفة الخبيثة .. وصفهم الله تعالى بكونهم فاسقين، بعد أن وصفهم بالكفر، ولما نزلت هذه الآية .. ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق، ولا قام على قبره بعدها.
روى أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم عن ابن عباس، قال: سمعت عمر يقول: لما توفي عبد الله بن أبي .. دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام عليه، فلما وقف .. قلت: أتصلي على عدو الله، عبد الله بن أبي، القائل: كذا وكذا، والقائل: كذا وكذا؟ أعدِّد أيامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يبتسم، حتى إذا أكثرت، قال:"يا عمر أخر عني، إني قد خيرت، قد قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له .. لزدت عليها" ثم صلى عليه، ومشى معه حتى قام على قبره، إلى أن فرغ منه، فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرًا حتى نزلت هاتان الآيتان {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه} فما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده، حتى قبضه الله عز وجل.
وقد حكم كثير من العلماء (1)، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، وإمام الحرمين والغزالي، وغيرهم بعدم صحة هذا الحديث، لمخالفته للآية من وجوه:
1 -
جعل الصلاة على ابن أبي سببًا لنزول الآية، وسياق القرآن صريح في أنها نزلت في سفر غزوة تبوك، سنة ثمان، وابن أبي مات في السنة التي بعدها.
2 -
قول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: وقد نهاك ربك أن تصلي عليه، يدل على أن النهي عن هذه الصلاة سابق لموت ابن أبي، وقوله بعده، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} صريح في أنه نزل بعد موته والصلاة.
(1) المراغي.
3 -
قوله إنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خيَّره في الاستغفار لهم وعدمه، إنما يظهر التخيير لو كانت الآية كالحديث، ولم يكن فيها التصريح بأنه لن يغفر الله لهم بسبب كفرهم، فـ (أو) فيها: للتسوية لا للتخيير.
وهناك (1) روايات أخرى في الصلاة على ابن أبي من طريق ابن عمر، ومن طريق جابر، وإنما ذكرنا هذا الحديث مع ما علمت من رأى أئمة الحديث فيه وحكمهم بأنه لا يقبل، لما ذكروا من الأسباب؛ لأنه قلما يخلو تفسير من ذكره، وقيل أن تجد من يشير إلى شيء مما يدل على ضعفه واضطرابه، لمخالفته لظاهر الآية، فرأينا أن نجعلك على بينةٍ من أمره، إذا أنت قرأته.
فصل
وقد وقع في الأحاديث (2) التي تتضمن قصة موت عبد الله بن أبي بن سلول صورة اختلاف في الروايات، ففي حديث ابن عمر: أنه لما توفي عبد الله بن أبي .. أتى ابنه عبد الله إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، وأن يصلي عليه، فأعطاه قميصه، وصلَّى عليه، وفي حديث عمر بن الخطاب - من أفراد البخاري - أن رسول الله دعا له ولم يصل عليه، وفي حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بعد ما أدخل في حفرته، فأمر به فأخرج فوضعه على ركبته، ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه.
ووجه الجمع بين هذه الروايات: أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه قميصه فكفن فيه، ثم إنه صلى عليه، وليس في حديث جابر ذكر الصلاة عليه، فالظاهر - والله أعلم - أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه أولًا، كما في حديث ابن عمر، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ثانيًا، بعدما أدخل حفرته، فأخرجه منها، ونزع عنه القميص الذي أعطاه وكفن فيه، لينفث عليه من ريقه، ثم إنه صلى الله عليه وسلم ألبسه قميصه بيده الكريمة، فعل هذا كله بعبد الله بن أبي تطييبًا لقلب ابنه عبد الله، فإنه كان من فضلاء الصحابة، وأصدقهم إسلامًا وأكثرهم عبادة، وأشرحهم صدرًا.
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كُلِّم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال صلى الله عليه وسلم: "وما يغني