المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إيمان جمهورهم؛ لأنَّهم إمَّا رؤساء حاسدون للرسول صلى الله عليه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: إيمان جمهورهم؛ لأنَّهم إمَّا رؤساء حاسدون للرسول صلى الله عليه

إيمان جمهورهم؛ لأنَّهم إمَّا رؤساء حاسدون للرسول صلى الله عليه وسلم معاندون له، جاحدون بآياته المؤيِّدة لرسالته على علم منهم، وفيهم يقول سبحانه:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} وإمَّا مقلدون جامدون على التقليد، لا ينظرون في الدلائل والآيات، وقد لقَّبهم الله سبحانه وتعالى بالدَّواب - وهو اللفظ الذي غلب استعماله في ذوات الأربع -؛ لإفادة أنهم ليسوا من شرار البشر فقط، بل هم أضلُّ من العجماوات؛ لأنَّ لها منافع، وهؤلاء لا خير فيهم ولا نفع لغيرهم منهم، كما قال تعالى في أمثالهم:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} .

2 -

نقض العهد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عقد مع يهود المدينة عقب هجرته إليهم عهدًا أقرَّهم فيه على دينهم، وأمنهم على أنفسهم وأموالهم، فنقض كل منهم عهده، بما مرَّ آنفًا عن ابن عباس رضي الله عنه.

‌57

- وبعد أن بين سبحانه وتعالى أنه قد تكرر منهم نقض العهد .. أردف ذلك بذكر ما يجب أن يعاملوا به، فقال:{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} ؛ أي: فإن تجد يا محمَّد هؤلاء الناقضين لعهدهم معك {في الْحَرْبِ} ؛ أي: في أثناء الحرب؛ أي: فإمَّا تصادفنهم وتظفر بهم في الحرب وتتمكن منهم {فَشَرِّدْ بِهِمْ} ؛ أي: ففرق وخوف بسبب تنكيلك بهم وعقوبتك لهم {مَنْ خَلْفَهُمْ} ؛ أي: من ورائهم؛ أي: من سواهم من سائر الكفار الذين يريدون محاربتك، كأهل مكة. ومعنى (1) الآية: إنَّك يا محمَّد إذا ظفرت بهؤلاء الكفار الذين نقضوا العهد .. فافعل بهم فعلًا من القتل والتنكيل تفرِّق بهم جمع كلِّ ناقضٍ للعهد، حتى يخافكم من وارءهم من أهل مكة واليمن {لَعَلَّهُمْ}؛ أي: لعل الذين خلفهم {يَذَّكَّرُونَ} ؛ أي: يتعظون بما يقع لهؤلاء الناقضين من التعذيب؛ أي (2): إذا فعلت بقريظة العقوبة .. فرقت شمل قريش؛ إذ يخافون منك أن تفعل بهم مثل ما فعلت بحلفائهم، وهم قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرِّقهم في ذلك الوقت تفريقًا عنيفًا موجبًا للاضطراب،

(1) الفتوحات.

(2)

المراح.

ص: 55

والضميران في {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الظاهر عودهما على {مَنْ خَلْفَهُمْ} ؛ أي: إذا رأوا ما حلَّ بالناقضين تذكروا اهـ. "سمين".

وقرأ الأعمش بخلاف عنه (1): {فشرِّذ} - بالذال المعجمة - بدل الدال المهملة، وكذا في محصف عبد الله، قالوا: ولم نحفظ هذه المادة في لغة العرب، وقال الزمخشري: فشرِّذ - بالذال المعجمة - بمعنى ففرِّق، وقال قطرب: - بالذال المعجمة - التنكيل، - وبالمهملة - التفريق.

وقرأ أبو حيوة والأعمش بخلاف: {مِنْ خلِفهم} جارًا ومجرورًا، ومفعول {فشرِّد} محذوف؛ أي: ناسًا من خلفهم يعملون مثل عملهم، أو فشرد أمثالهم من الأعداء.

والخلاصة (2): أنَّك تدرك هؤلاء الناقضين لعهدهم وتظفر بهم في الحرب .. فنكِّل بهم أشد التنكيل؛ حتى يكون ذلك سببًا لشرود من وراءهم من الأعداء وتفرقهم، فيكون مثلهم مثل الإبل الشاردة النادة عن أمكنتها، وإنّما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإثخان في هؤلاء الأعداء الذين تكررت مسالمته لهم وتجديده لعهدهم بعد نقضه؛ لئلا ينخدع مرةً أخرى بكذبهم؛ لما جبل عليه من الرحمة، وحب السلم. واعتبار الحرب ضرورةً تترك إذا زال سببها كما قال تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} ، وهم قد أوهموه المرة بعد المرة أنَّهم يرغبون في السلم، واعتذروا عن نقضهم العهد، وكانوا في ذلك مخادعين.

{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} ؛ أي: لعل من خلفهم من الأعداء يذكرون النكال، فيمنعهم ذلك من نقض العهد ومن القتال.

روى البخاري ومسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب في بعض أيامه التي لقي فيها العدو فقال: "أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم .. فاصبروا، واعلموا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قال: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم".

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 56