المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد

عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد بالدبور" وعن النعمان بن مقرِّن قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا لم يقاتل من أول النهار .. أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر) أخرجه أبو داود.

ثم أمرهم الله سبحانه وتعالى بالصبر على شدائد الحرب، وأخبرهم بأن الله مع الصابرين في كل أمر ينبغي الصبر فيه، فقال:{وَاصْبِرُوا} عند لقاء عدوكم، ولا تنهزموا عنهم {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} بالنصر والمعونة، وعن عبد الله بن أبي أوفى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس .. قام فيهم، فقال:"أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وأسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُنْزِلَ الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم" متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا" متفق عليه.

والمعنى: واصبروا على الشدائد، وعلى ما تلاقونه من بأس العدو واستعداده، وكثرة عدده، فالله مع الصابرين، يمدهم بمعونته وتأييده، ومن كان الله معينًا له .. فلا يغلبه غالبٌ، ويا حبَّذا هذه المعية، التي لا يغلب من رزقها غالبٌ، ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات وإن كانت كثيرةً.

‌47

- ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس، وهم قريش، فقال:{وَلَا تَكُونُوا} في الاستكبار والفخر {كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} مكة، لحماية العير، حالة كونهم {بَطَرًا}؛ أي: بطرين، فرحين مرحين، أشد البطر والفرح، أو خرجوا لأجل البطر والفرح، والبطر: شدة الفرح، أو الطغيان، أو كفران النعم، (و) حالة كونهم {رِئَاءَ النَّاسِ}؛ أي: مرائين الناس، أو لأجل الرياء، فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان، ومعهم القيان والمعازف، فلما بلغوا الجحفة .. أتاهم رسول أبي سفيان، وقال: ارجعوا إلى مكة؛ فقد سلمت عيركم، فأبوا إلا إظهار الجلادة والقوة

ص: 24

والشجاعة، وأيضًا لما وردوا الجحفة .. بعث الخفاف الكناني إلى أبي جهل - وهو صديق له - بهدايا مع ابن له، فلما أتاه .. قال: إنَّ أبي يقول: إن شئت أن أمدك بالرجال .. أمددتك، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معي من قرابتي .. فعلت. فقال أبو جهل: قل لأبيك: جزاك الله خيرًا، إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمَّد صلى الله عليه وسلم

فوالله ما لنا بالله من طاقة، وإن كنا نقاتل الناس .. فوالله إن بنا على الناس لقوةً، والله ما نرجع عن قتال محمَّد حتى نرد بدرًا، فنشرب فيها الخمور، وتعزف علينا القيان، وننحر الجزور في بدر، فيثني الناس علينا بالشجاعة والسماحة، وقد بدَّلهَم الله شرب الخمر بشرب كأس الموت، وبدل ضرب الجواري على نحو الدفوف بنوح النائحات، وبدل نحر الجزور بنحر رقابهم، حيث قتل منهم سبعون، وأسر سبعون.

واعلم: أن النِّعم إذا كثرت من الله تعالى على العبد، فإن صرفها إلى مرضاته تعالى وعرف أنها من الله تعالى .. فذاك هو الشكر، وإن توسل بها إلى المفاخرة على الأقران والمغالبة بالكثرة على أهل الزمان .. فذاك هو البطر. والرياء: إظهار الجميل ليراه الناس، مع إبطان القبيح. والفرق بين الرياء والنفاق: أن النفاق: إظهار الإيمان مع إبطان الكفر، والرياء: إظهار الطاعة مع إبطان المعصية.

والمعنى: عليكم أيها المؤمنون أن تمتثلوا ما أمرتم به، وتنتهوا عمَّا نهيتهم عنه، ولا تكونوا كأعدائكم المشركين الذين خرجوا من ديارهم في مكة وغيرها من الأماكن التي استنفرهم منها أبو سفيان بطرين بما أوتوا من قوةٍ ونعم لا يستحقونها، مرائين الناس بها ليعجبوا بها ويثنوا عليهم بالغنى والقوة والشجاعة. وظاهر النظم الكريم أن قوله:{بَطَرًا} متعلق بخرجوا، وهو لا يوافق الواقع؛ لأن خروجهم كان لغرضٍ مهم، وهو المنع عن عيرهم، والحق: أن يكون علة لمعلول محذوف، تقديره: خرجوا من ديارهم ليمنعوا عيرهم، ولم يرجعوا بعد نجاتها بطرًا، فهو علة لهذا المقدر، وهو قولنا: لم يرجعوا، وعلة الخروج: منعهم عن عيرهم كما قدرنا، كما ذكره في "الفتوحات".

ص: 25