الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصادرة عن عقيدة، والأعذار التي يعتذر بها عن تقصيره في أعماله، ويعلم ما يكنُّه من ذلك ومن غيره، ويجازي كلًّا بحسب ما يسمع ويعلم.
والخلاصة: (1) أنَّ غزوة بدر قامت بها الحجة البالغة للمؤمنين بنصرهم - كما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم وحجته البالغة على الكافرين بخذلانهم وانكسارهم - كما أنذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا مجال في ذلك للمكابرة والتأويل.
وختم بهاتين الصفتين؛ لأنَّ الكفر والإيمان يستلزمان النطق باللسان، والاعتقاد بالجَنَانِ، فهو سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم.
43
- {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ} ؛ أي: واذكر يا محمَّد نعمة الله عليك؛ إذ يريك المشركين {فِي مَنَامِكَ} ؛ أي: في نومك قبل يوم بدر {قَلِيلًا} عددهم مع كثرتهم، وقال أبو حيان: والمراد بالقلة هنا قلة القدر واليأس والنجدة، وأنهم مهزومون مصروعون، ولا يحمل على قلة العدد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رؤياه حق، وقد كان علم أنهم ما بين تسع مئة إلى ألف، فلا يمكن حمل ذلك على قلة العدد. انتهى.
قال مجاهد (2): أراهم الله في منامه قليلًا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، وكان ذلك تثبيتًا. وقال محمَّد بن إسحاق: فكان ما أراه الله من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، يشجعهم بها على عدوهم، فكف عنهم بها ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم.
وقيل: لما أُري النبي صلى الله عليه وسلم كفارَ قريش في منامه قليلًا، فأخبر بذلك أصحابه .. قالوا: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، فصار ذلك سببًا لجرائتهم على عدوهم، وقوةً لقلوبهم. وقال الحسن: إن هذه الإراءة كانت في اليقظة، والمراد من المنام: العين؛ لأنها موضع النوم. قال الزجاج: هذا مذهب حسن، ولكن الأول أسوغ في العربية؛ لقوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ
…
} إلخ، فدل بهذا على أنَّ هذه رؤية الالتقاءة واليقظة، وأن تلك رؤية النوم.
(1) المراغي.
(2)
الخازن.
وقيل: الظرف في {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ} : متعلق بـ {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} المذكورين قبله، والمعنى (1): حينئذٍ: إنَّ الله سبحانه وتعالى سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدد عدوك وعدوهم قليلًا في الرؤيا المنامية، فتخبر بها المؤمنين، وتطمئن قلوبهم، وتقوي آمالهم بالنصر.، فيجترئون عليهم.
{وَلَوْ أَرَاكَهُمْ} ؛ أي: ولو أراك يا محمَّد المشركين في منامك {كَثِيرًا} عددهم، وذكرت ذلك لأصحابك .. {لَفَشِلْتُمْ} ، أي: لجبنتم، ولتأخرتم عن حربهم وقتالهم؛ أي: لو أراكهم كثيرًا .. لذكرته لأصحابك، ولو سمعوا ذلك .. لجبنوا {وَلَتَنَازَعْتُم} معطوف على ما قبله عطف سبب على مسبب، وسيذكر مقدمًا في قوله الآتي:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} ؛ أي: ولاختلفتم في أمر القتال، ولتفرقت آراؤكم في الفرار والثبات. وانظر إلى محاسن القرآن، فإنه لم يسند الفشل إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم، بل قال:{لَفَشِلْتُمْ} إشارةً إلى أصحابه؛ أي: (2) ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا .. لفشل أصحابك وخافوا، ولم يقدروا على حرب القوم، ولوقع بينهم النزاع وتفرق الآراء في أمر القتال؛ إذ منهم القوي الإيمان والعزيمة، فيطيع الله ورسوله ويقاتل، ومنهم الضعيف الذي يثبط عن القتال، بمثل الأعذار التي جادلوا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في قوله:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} .
وعبارة "الخازن" هنا قوله: {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} يعني: اختلفتم في أمر الإقدام عليهم، أو الإحجام عنهم، وقيل: معنى التنازع في الأمر: الاختلاف الذي تكون معه مخاصمة ومجادلة ومجاذبة كل واحد إلى ناحية، والمعنى: لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم. انتهت.
{وَلَكِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {سَلَّمَ} ؛ أي: سلمكم، وحفظكم من التنازع والمخالفة فيما بينكم، وقيل: معناه: ولكن الله تعالى سلمكم وعصمكم
(1) المراغي.
(2)
المراغي.