الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى (1): أنفقوا طائعين، من قبل أنفسكم أو مكرهين بالإنفاق بإلزام الله ورسوله إياكم بالإنفاق {لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} ذلك الإنفاق؛ لأن هذا الإنفاق إنما وقع لغير الله، وهذه الآية وإن كانت خاصة في إنفاق المنافقين .. فهي عامة في حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله، بل أنفقه رياء وسمعة، فإنه لا يقبل منه.
وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي النساء والأحقاف (2): {كرها} بضم الكاف، وقرأ عاصم وابن عامر في الأحقاف: بالضم، من المشقة، وفي النساء والتوبة: بالفتح، من الإكراه، والباقون: بفتح الكاف في جميع ذلك.
وقال الشوكاني قوله: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} هذا الأمر معناه الشرط والجزاء؛ لأن الله سبحانه لا يأمرهم بما لا يتقبله منهم، والتقدير: إن أنفقتم طائعين أو مكرهين .. فلن يتقبل منكم، وقيل: هو أمر في معنى الخبر؛ أي: أنفقتم طوعًا أو كرهًا لن يتقبل منكم، فهو كقوله:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} وفيه الإشعار بتساوي الأمرين في عدم القبول.
وجملة قوله: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} تعليل لعدم قبول إنفاقهم، والفسق: التمرد والعتوُّ، والمراد به هنا: الكفر؛ أي: لأنكم كنتم قوما منافقين؛ أي: كافرين في الباطن.
وخلاصة معنى الآية: قل أيها الرسول لهؤلاء المنافقين: أنفقوا من أموالكم ما شئتم في الجهاد، أو في غيره من النفقات التي أمر الله بها وحث في شرعه عليها حال التطوع تقيةً وحفظًا للنفس وكرهًا وخوفًا من العقوبة، فمهما أنفقتم فلن يتقبل منكم ما دمتم في شك مما جاء به الرسول من الدين والجزاء على الأعمال في الآخرة؛ لأنكم قوم فاسقون؛ أي: خارجون من دائرة الإيمان، والله إنما يتقبل من المؤمنين.
54
- ثم بين سبحانه وتعالى السبب المانع من قبول نفقاتهم، فقال:{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} ؛ أي: وما منع هؤلاء المنافقين قبول نفقاتهم {إِلَّا أَنَّهُمْ
(1) المراح.
(2)
الخازن.
كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}؛ أي: إلا كفرهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والاستثناء (1) من أعم الأشياء؛ أي: ما منعهم قبول نفقاتهم شيءٌ من الأشياء إلا كفرهم و {ما} عطف عليه.
وقرأ حمزة والكسائي وزيد بن علي (2): {أن يُقْبل} بالياء، وباقي السبعة: بالتاء، و {نَفَقَاتُهُمْ} بالجمع، وزيد بن علي بالإفراد، وقرأ الأعرج بخلاف عنه:{أن تقبل} بالتاء، من فوق نفقتهم بالإفراد، وفي هذه القراءات، الفعل مبني للمفعول، وقرأت فرقة:{أن نَقْبَل منهم نفقتهم} بالنون ونصب النفقة، وقال الزمخشري: وقراءة السلمي: {أن نقبل منهم نفقاتهم} على أن الفعل لله تعالى. انتهى.
والمعنى: أي وما منع (3) قبول نفقاتهم، إلا كفرهم بالله وصفاته على الوجه الحق، وكفرهم برسالة رسوله، وما جاء به عن الهدى والبينات {و} إلا أنهم {لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى}؛ أي: وإلا عدم إتيانهم مواضع فعل الصلاة ومساجدها إلا وهم كسالى، جمع كسلان؛ أي: متثاقلون في الإتيان إلى الصلاة، وذلك؛ لأنهم لا يرجون على فعلها ثوابًا ولا يخافون على تركها عقابًا، فلذل ذمهم مع فعلها، والمعنى: ولا يصلون إلا رياء وتقية، لا إيمانًا بوجوبها، ولا قصدًا إلى ثوابها واحتسابًا لأجرها، ولا تكميلًا لأنفسهم بما شرعه الله تعالى، لأجلها لأنها لا يأتونها إلا وهم متثاقلون كسالى، لا تنشرح لها نفوسهم، ولا تنشط لها أبدانهم، {و} إلا أنهم {لا ينفقون} أموالهم في مصالح الجهاد وغيره {إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} لذلك الإنفاق غير طيبة به أنفسهم، لأنهم يعدون هذه النفقات مغارم تضرب عليهم ينتفع بها المؤمنون، وهم ليسوا منهم، فلا نفع لهم بما أنفقوا لا في الدنيا - وهو واضح - ولا في الآخرة، إذ لا يؤمنون بها.
والحاصل: أنه جعل (4) المانع من القبول، ثلاثة أمور:
(1) أبو السعود.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.
(4)
الشوكاني.