الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنصرة والمعونة والنسب والدين، وبكسرها في الإمارة وتولي الأمور العامة؛ لأنَّها من قبيل الصناعات والحرف.
{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} ؛ أي: وإن طلب منكم أيها المهاجرون والأنصار هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا النصرة لهم على المشركين {فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} لهم؛ أي: فواجب عليكم النصر لهم {إِلَّا} إن استنصروكم {عَلَى قَوْمٍ} من المشركين {بَيْنَكُمْ} ؛ أي: أيها المؤمنون {وَبَيْنَهُمْ} ؛ أي: وبين أولئك القوم {مِيثَاقٌ} وعهد على ترك القتال، كأهل مكة الذين بينكم وبينهم صلح الحديبية الذي عقدتموه لهم على ترك القتال عشر سنين فلا تنصروهم عليهم، ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدته؛ إذ الميثاق مانع من ذلك.
والمعنى: أنّه لا ولاية لكم عليهم إلا إذا قاتلهم الكفار، أو اضطدوهم لأجل دينهم، وطلبوا نصركم عليهم .. فعليكم أن تساعدوهم بشرط: أن يكون الكفار حَرْبييِّن، لا عهد بينكم وبينهم، أما إن كانوا معاهدين .. فيجب الوفاء بعهدهم، ولا تباح خيانتهم وغدرهم بنقض العهود والمواثيق. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {بما تعلمون بصير} فلا تخالفوا أمره؛ كي لا يحل بكم عقابه، فعليكم أن تقفوا عند حدوده، وأن تراقبوه وتتذكروا اطلاعه على أعمالكم، وتتوخوا فيها الحق والعدل، وتتقوا الهوى الذي يصد عن ذلك.
وبهذه المحافظة على العهود والمواثيق سرًّا وجهرًا .. امتازت الشريعة الإِسلامية على الشرائع الوضعية، فشعار أهلها: الوفاء بالعهود، والبعد عن الخيانة والغدر. وقرأ السلمي والأعرج {بما يعملون} بالياء على الغيبة.
73
- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في النصرة والتعاون على قتال المسلمين، فهم في جملتم فريقٌ واحدٌ تجاه المسلمين، وإن كانوا شيعًا يعادي بعضهم بعضًا، فإن كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود، فلمَّا ظهرت دعوة محمَّد صلى الله عليه وسلم .. تعاونوا على إيذائه ومحاربته، والمشركون واليهود والنصارى لمَّا
اشتركوا في عداوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم .. صارت هذه الجهة سببًا لانضمام بعضهم إلى بعض، وقرب بعضهم من بعض، وتلك العداوة لمحض الحسد، لا لأجل الدين؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم كان في غاية الإنكار لدين صاحبه.
ولم يكن في الحجاز حين نزلت هذه السورة إلا المشركون واليهود، وكان اليهود يتولَّون المشركين وينصرونهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ونقضوا العهود التي كانت بينه وبينهم، فقاتلهم حتى أجلاهم من خيبر، وفي هذا تعريض للمسلمين بأنهم لا يناصرون الكفار ولا يتولونهم {إِلَّا تَفْعَلُوهُ}؛ أي: إن لم تفعلوا ما أمرتكم به من التواصل بين المسلمين، ومن قطع المحبة بينهم وبين الكفار .. {تَكُنْ فِتْنَةٌ}؛ أي: تحصل فتنة {فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} ؛ أي: ومفسدة عظيمة، فإنَّ المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم، وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم .. ربما صارت تلك المخالطة سببًا لالتحاق المسلم بالكفار، وإنَّ المسلمين لو كانوا متفرقين .. لم يظهر منهم جمع عظيم، فيصير ذلك سببًا لجراءة الكفار عليهم، وقال ابن عطية: والفتنة: المحنة بالحرب وما أنجز معها من الغارات والجلاء والأسر، والفساد الكبير: ظهور الشرك. وقال (1) البغوي: الفتنة في الأرض: قوة الكفر، والفساد الكبير: ضعف الإسلام اهـ. وقرأ أبو موسى الحجازي عن الكسائي: {كثير} - بالثاء المثلثة - وروي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ: {وفسادٌ عريض} وقال الزمخشري: أي: إنْ لا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولي بعضهم بعضًا حتى في التورث، تفضيلًا لنسبة الإِسلام على نسبة القرابة، ولم تقطعوا العلائق بينكم وبين الكفار، ولم تجعلوا قرباتهم كلا قرابة .. تحصل فتنة في الأرض، ومفسدة عظيمة؛ لأنَّ المسلمين ما لم يصيروا يدًا واحدةً على الشرك .. كان الشرك ظاهرًا والفساد زائدًا اهـ.
والخلاصة (2): إنْ لم تفعلوا ما شرع لكم من ولاية بعضكم لبعض، ومن
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.