الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقبل من المشركين من وجوههم، والملائكة يضربون من أدبارهم.
51
- {ذَلِكَ} الضرب والعذاب والقول حاصلٌ بكم أيها الكفار {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم} ؛ أي: بسبب ما كسبته وعملته أيديكم وجوارحكم وقلوبكم من الكفر والمعاصي {و} الأمر والشأن {أَنَّ اللَّه} سبحانه وتعالى: {لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ؛ أي: بمعذب لعبيده بغير جرم اجترموه، وذنب اكتسبوه، وصيغة {ظلام} ليست للمبالغة، وإنما هي للنسب، كتمَّار وبقَّال؛ أي: ليس منسوبًا إلى الظلم، فقد انتفى أصل الظلم عنه تعالى، ويحتمل كون {وَأَنَّ اللَّهَ} معطوفًا على {ما}؛ أي: ذلك العذاب بسبب ما كسبته أيديكم من المعاصي، وبسبب أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يظلمكم؛ إذ أنتم مستحقون العذاب، فتعذيبكم عدلٌ منه؛ لأنه سبحانه قد أرسل إليكم رسله، وأنزل عليكم كتبه، وأوضح لكم السبيل، وهداكم النجدين، كما قال تعالى:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .
وحاصل المعنى: أي هذا العذاب الذي ذقتموه بسبب ما كسبت أيديكم من سيء الأعمال في حياتكم الدنيا من كفر وظلم، وهذا يشمل القول والفعل، ونسب ذلك إلى الأيدي - وإن كان قد يقع من الأيدي والأرجل وسائر الحواس، أو بتدبير العقل - من أجل أن العادة قد جرت بأن أكثر الأعمال البدنية تزاول بها، وبسبب أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدًا من عبيده، فلا يعذب أحدًا منهم إلا بجرم اجترمه، ولا يعاقبه إلا بمعصيته إياه، وقد وقع ذلك منكم، فأنتم الظالمون لأنفسكم، فلوموها ولا لوم إلا عليها. روى مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّ الله يقول: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا
…
يا عبادي، إنَّما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
52
- وقوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ؛ أي: من قبل آل فرعون، خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: دأب هؤلاء المشركين من قريش الذين قتلوا ببدر كدأب آل فرعون؛ أي: فعلهم وعادتهم في الكفر والتكذيب والعذيب كعادة قوم فرعون وفعلهم، وفعل من قبلهم من الأمم الخالية في كفرهم وتعذيبهم، فجوزي
هؤلاء بالقتل والأسر يوم بدر، كما جوزي آل فرعون بالإغراق.
وأصل الدأب في اللغة (1): إدامة العمل، يقال: فلان يدأب في كذا وكذا؛ أي: يداوم عليه، ويتعب نفسه فيه، ثم سميت العادة دأبا؛ لأنَّ الإنسان يداوم على عادته ويواظب عليها.
قال ابن عباس: معناه: إن آل فرعون أيقنوا أن موسى عليه السلام رسولٌ من الله تعالى فكذبوه، فكذلك هؤلاء لمَّا جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق .. كذبوه، فأنزل الله بهم عقوبته، كما أنزل بآل فرعون. وجملة قوله:{كفروا بآيات الله} مفسرةٌ لدأب آل فرعون؛ أي: دأبهم هذا هو أنَّهم كفروا بآيات الله؛ أي: أنكروا الدلائل الإلهية.
والمعني (2): عادة كفار قريش فيما فعلوه من الكفر، وفيما فعل بهم من العذاب كعادة آل فرعون وقوم نوح وعاد وثمود وأضرابهم من الأمم الماضية، الذين من عادتهم أنهم كفروا بآيات الله الكونية، والمنزلة على رسله، وأنكروها.
{فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} ؛ أي: فأخذ الله سبحانه وتعالى تلك الأمم الماضية وأهلكها متلبسين بذنوبهم غير تائبين عنها؛ أي: أخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولم يظلم أحدًا منهم مثقال ذرة، ونصر رسله والمؤمنين بهم، وكما كانت سننه تعالى في أولئك الماضين أن أخذهم بذنوبهم .. فسنته في هؤلاء المشركين كذلك؛ فقد نصر رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في بدر، وأهلك هؤلاء المشركين بذنوبهم. وجملة قوله:{إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} معترضة (3) مقررة لمضمون ما قبلها؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى قويٌّ لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، شديد العقاب لمن استحق عقابه وكفر بآياته وجحد حججه، وقد جعل لكل شيءٍ أجلا.
وروى البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه .. لم يفلته". والإشارة بقوله:
(1) الخازن.
(2)
المراح.
(3)
الشوكاني.