المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقوله: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: ويمنعون الناس عن الدخول - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وقوله: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: ويمنعون الناس عن الدخول

وقوله: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ أي: ويمنعون الناس عن الدخول في دين الله، بمعاداة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، معطوفٌ على {بَطَرًا} على كلا التأويلين.

والمعنى: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرين مرائين، صادين عن سبيل الله، أو خرجوا للبطر والرياء والصد عن سبيل الله تعالى. والصد: إضلال الناس، والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية، ويجوز أن يكون {وَيَصُدُّونَ} معطوفًا على {خَرَجُوا} والمعنى: يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصد عن سبيل الله.

وإنّما ذكر البطر والرياء بصيغة الاسم، والصد بصيغة الفعل؛ لأنَّ أبا جهل ورهطه كانوا مجبولين على المفاخرة والرياء، وأما صدهم عن سبيل الله .. فإنّما حصل في الزمان الذي ادَّعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم النبوة. {والله} سبحانه وتعالى:{بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} بعلمه؛ أي: عالم بما جاؤوا لأجله؛ أي: إنَّه تعالى عالم بجميع الأشياء، ظواهرها وبواطنها، لا يخفى عن علمه شيءٌ؛ لأنه محيط بأعمال العباد كلِّها، فيجازي المحسنين ويعاقب المسيئين.

‌48

- وفي هذا زجر شديد، وتهديد أكيد على الرياء والتصنع والبطر والكبرياء، وأنه سيجازي عليها أشد الجزاء {و} اذكروا أيها المؤمنون نعمة الله تعالى عليكم {وَإِذْ زَيَّنَ} وحسن {لَهُمُ}؛ أي: لهؤلاء المشركين {الشَّيْطَانُ} ؛ أي: إبليس بوسوسته {أَعْمَالَهُمْ} الخبيثة، في معاداة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وخروجهم من مكة، فإن المشركين حين أرادوا السير والخروج إلى بدر .. خافوا من بني بكر بن كنانة؛ لأنهم كانوا قتلوا منهم رجلًا واحدًا قبل ذلك، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتصوَّر لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم - وهو من بني بكر بن كنانة، وكان من أشرافهم - في جندٍ من الشياطين، ومعه رايةٌ. {وَقَالَ} إبليس للمشركين:{لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} ؛ أي: لا غالب عليكم اليوم من بني كنانة ومن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ أي: وقال لهم بما ألقاه في قلوبهم، وخيل إليهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون قربات، حتى قالوا: اللهم انصر إحدى الفئتين، وأفضل الدينين.

ص: 26

{و} قال لهم: {وَإِنِّي جَارٌ لَكُم} ؛ أي: حافظكم من مضرتهم وناصركم عليهم، {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} والتقى الجمعان - جمع المسلمين وجمع الكافرين - بحيث ترى كل فئة الأخرى، أي: فلمَّا قرب كل من الفريقين المتقاتلين من الآخر، وصار بحيث يراه ويعرف حاله، وقبل أن تصطلي نار القتال معه، ورأى إبليس نزول الملائكة من السماء .. {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}؛ أي: رجع إبليس إلى خلفه هاربا: أي: رجع القهقرى وتولى إلى الوراء، وهي الجهة التي فيها: العقبان، والمراد: أنَّه كفَّ عن تزيينه لهم وتغريره بهم، وكان إبليس في صف المشركين، وهو آخذٌ بيد الحارث بن هشام {و} قال له الحارث: إلى أين تترك نصرتنا يا سراقة في هذه الحالة، أما تزعم أنك جار لنا، وجعل الحارث يمسكه. {قال} إبليس:{إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ} ؛ أي: إني بريء من جواركم وحفظكم ونصركم والذب عنكم، {إِنِّي أَرَى}؛ أي: لأني أبصر {مَا لَا تَرَوْنَ} ؛ أي: ما لا تبصرون من نزول الملائكة مع جبريل، وإني أرى جبريل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يده اللجام يقود الفرس، ولم تروه، ودفع إبليس في صدر الحارث وانطلق وقال:{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} أن يهلكني بتسليط الملائكة عليَّ، وانهزم المشركون. فلمَّا قدموا مكة .. قالوا: هزم الناسَ سراقةُ، فبلغ ذلك سراقة، فقال: بلغني أنكم تقولون: إني هزمت الناس، فوالله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، فقالوا: أما أتيتنا في يوم كذا وكذا، فحلف لهم، فلما أسلوا .. علموا أنَّ ذلك كان شيطانًا. وقيل: لما رأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء .. خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر، فقال ما قال؛ إشفاقًا على نفسه {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} لمن عاداه وعادى أولياءه، قاله الشيطان بسطًا لعذره حينئذٍ، فهو تعليل لما قبله؛ أي {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} ؛ لأنه شديد العقاب، أو مستأنف من محض كلامه تعالى؛ تهديدًا لإبليس وجنده.

وقال قتادة (1): قال إبليس: {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} ، وصدق. وقال:{إنِّي أَخَافُ اللَّهَ} وكذب، ما به مخافة الله. ولكن إنه لا قوة له ولا منعة، فأوردهم

(1) الخازن.

ص: 27