المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عنهم، قاصدين بهذه الإيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله، ومن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عنهم، قاصدين بهذه الإيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله، ومن

عنهم، قاصدين بهذه الإيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله، ومن معه من المؤمنين، فنعى الله ذلكم عليهم، وقال؛ {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحق بالإرضاء من إرضاء المؤمنين بالأيمان الكاذبة، فإنهم لو اتقوا الله، وآمنوا به، وتركوا النفاق .. لكان ذلك أولى لهم، وكان من الواجب أن يرضوهما بالإخلاص والتوبة والمتابعة، وإيفاء حقوقه صلى الله عليه وسلم في باب الإجلال مشهدًا ومغيبًا، لا بإتيانهم بالأيمان الفاجرة.

وإفراد الضمير في قوله (1): {يُرْضُوهُ} إما للتعظيم للجناب الإلهيِّ بإفراده بالذِّكر، أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله، فإرضاء الله إرضاء لرسوله، أو المراد: الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، كما قال سيبويه: ورجحه النحاس، أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة، فإنه يشار به إلى الواحد والمتعدد، أو الضمير راجعٌ إلى المذكور، وهو يصدق عليهما، وقال الفراء: المعنى: ورسوله أحق أن يرضوه، والله افتتاح كلام، كما تقول: ما شاء الله، وشئت، وفي التعبير بـ {يُرْضُوهُ} دون يرضوهما، إشعارٌ بأن إرضاء رسوله، هو

عين إرضائه تعالى؛ لأنه إرضاء له في اتباع ما أرسله به، وجواب قوله:{إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} محذوف، تقديره: إن كانوا مؤمنين .. فليرضوا الله ورسوله بالطاعة، فإنهما أحق بالإرضاء؛ أي إن كان هؤلاء المنافقون مصدِّقين بوعد الله، ووعيده في الآخرة، كما يدعون ويحلفون .. فليرضوهما، وإلَّا كانوا كاذبين، فإن المؤمنين قد يصدقونهم فيما يحلفون عليه إذا لم يكن كذبهم فيه ظاهرًا معلومًا باليقين، ولكن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فيوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب ما فيه المصلحة للمؤمنين، وفي الآية عبرة للمنافقين في زماننا وفي كل زمان، إذ يحلفون حين الحاجة إلى تأكيد أخبارهم فيما يحاولون به إرضاء الناس، وبخاصةٍ الملوك والوزراء، الذين يتقربون إليهم فيما لا يرضي ربهم، بل فيما يسخطه بأخس الوسائل، وأقذر السبل،

‌63

- ثم وبخهم على ما أقدموا عليه مع علمهم بوخامة عاقبته

(1) الشوكاني.

ص: 323

بقوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا} ؛ أي: ألم يعلم هؤلاء المنافقون، وهو استفهام، معناه التوبيخ والإنكار، كما ذكره أبو حيان {أَنَّهُ}؛ أي: أن الشأن والحال {مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ} ؛ أي: من يخالف الله {وَرَسُولَهُ} صلى الله عليه وسلم بتعدي حدوده، أو بلمز الرسول في أعماله، كقسمة الصدقات، وفي أخلاقه وشمائله، كقولهم: هو أُذُنُ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} أي: فحق أن له نار جهنم؛ أي، فكون نار جهنم له أمر ثابت؛ أي: فجزاؤه جهنم يصلاها يوم القيامة، حالة كونه {خَالَدًا فِيها} أبدًا لا مخلص له منها {ذَلِكَ} العذاب الخالد هو {الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} والذل البالغ إلى الغاية التي لا يبلغ إليها غيره، والهوان الذي يصغر دونه كل خزي وذل في الدنيا وهو ثمرات نفاقهم.

وقرأ الحسن والأعرج (1): {ألم تعلموا} بالتاء الفوقية على الخطاب، فالظاهر أنه التفات، فهو خطاب للمناقين، قيل: ويحتمل أن يكون خطابًا للمؤمنين، فيكون معنى الاستفهام التقرير. وإن كان خطابًا للرسول .. فهو خطاب تعظيم، والاستفهام فيه للتعجب، والتقدير: ألا تعجب من جهلهم في محادة الله تعالى، وقرأ الباقون:{أَلَمْ يَعْلَمُوا} بالياء التحتية وفي مصحف أُبيٍّ {ألم تعلم} قال ابن عطية: على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. والأولى أن يكون خطابًا للسامع. قال أهل المعاني: {ألم تعلم} الخطاب لمن حاول تعليم إنسان شيئًا مدةً وبالغ في ذلك التعليم فلم يعلم، فقال له: ألم تعلم بعد المباحث الظاهرة، والمدة المديدة، وحسن ذلك؛ لأنه طال مكث النبي صلى الله عليه وسلم معه، وكثر منه التحذير عن معصية الله، والترغيب في طاعة الله، وقرأ الجمهور:{فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} بفتح الهزة على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: فحق أن له نار جهنم، أو فالواجب أن له النار، والفاء رابطةٌ جواب الشرط، وقرأ ابن أبي عبلة:{فإن له} بالكسر في الهمزة، حكاها عنه أبو عمرو الداني، وهي قراءة محبوب عن الحسن، ورواية أبي عبيدة عن أبي عمرو، ووجهه في العربية قوي؛ لأن الفاء تقتضي الاستئناف والكسر مختار؛ لأنه لا يحتاج إلى إضمار بخلاف الفتح.

(1) البحر المحيط.

ص: 324