الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرأ الجمهور (1): {وَأَيَّدَهُ} بتشديد الياء ومجاهد {وأيده} بالتخفيف وقرأ (2) الأعمش ويعقوب: {وكلمة الله} بالنصب حملًا على جعل؛ أي: وجعل كلمة الله وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف، وقد ضعف قراءة النصب الفراء وأبو حاتم وقال أبو حيان وقراءة الجمهور بالرفع أثبت في الأخبار وعن أنس رأيت في مصحف أبيٍّ {وجعل كلمته هي العليا} انتهى.
{وَاللهُ} سبحانه وتعالى {عَزِيزٌ} ؛ أي: غالب على أمره قاهر على أعدائه {حَكِيمٌ} فيما دبره لخلقه إذ يضع الأشياء في مواضعها وقد نصر رسوله بعزته وأظهر دينه على الأديان كلها بحكمته، وأذل من ناوأه من المشركين.
41
- {انفِرُوا} ، أي: اخرجوا أيها المؤمنون مع نبيكم إلى غزوة تبوك حالة كونكم {خِفَافًا} في الخروج لنشاطكم له {و} حالة كونكم {ثقالا} عنه لمشقته عليكم، وقيل: منفردين ومجتمعين، وقيل: فقراء وأغنياء وقيل: شبابًا وشيوخًا، وقيل: رجالًا وفرسانًا، وقيل: ذوي عيال وغير ذوي عيال، وقيل: ذوي أشغال وغير ذوي أشغال، وقيل: أصحاء ومرضى، وقيل: عزابًا ومتأهلين، وقيل غير ذلك.
وقيل (3): وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} ، وقيل: الناسخ لها قوله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية، وقيل: هي محكمة وليست بمنسوخة، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} وإخراج الضعيف والمريض بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} من باب التخصيص، لا من باب النسخ، على فرض دخول هؤلاء تحت قوله:{خِفَافًا وَثِقَالًا} ، والظاهر عدم دخولهم تحت العموم.
والصحيح (4): القول الأول وأنها منسوخة، ولأن الجهاد من فروض
(1) البحر المحيط.
(2)
الشوكاني.
(3)
الشوكاني.
(4)
الخازن.
الكفايات، ويدل عليه أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خلف في المدينة في تلك الغزوة النساء وبعض الرجال، فدل ذلك على أن الجهاد من فروض الكفاية ليس على الأعيان، ومحل (1) النسخ قوله:{وَثِقَالًا} ، وأما {خِفَافًا} فلا نسخ فيه على كل قول والله أعلم.
أي: انفروا على كل حال من يسرٍ أو عسرٍ، وصحة أو مرض، وغنى أو فقر وقلة العيال أو كثرتهم أو غير ذلك، مما ينتظم في مساعدة الأسباب أو عدم مساعدتها بعد الإمكان والقدرة في الجملة.
فإذا أعلن النفير العام .. وجب الامتثال إلا حال العجز التام، وهو ما بينه الله تعالى في قوله {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} .
ويؤيد هذا التعميم في عموم الأحوال قول أبي أيوب الأنصاري، وقد شهد المشاهد كلها، إلا غزوة واحدة، قال الله:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فلا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلًا، وقد فهم سلفنا الصالح القرآن على هدي النبي وعمله، ففتحوا البلاد وسادوا العباد، لكن بعد أن انحرفوا عن هديه وتدبر معانيه واكتفوا بتلاوته والتغني بألفاظه، ذلوا وضعفوا واستكانوا، وسادتهم الشعوب الأخرى، وتقوض ملكهم من أطرافه وأصبحوا من المستضعفين، وصاروا عبيدًا لأعدائهم.
{وَجَاهَدُواْ} أعداءكم الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت ويفسدون في الأرض وابذلوا {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ أي في إقامة ميزان العدل وإعلاء كلمة الحق، فمن استطاع منكم الجهاد بماله ونفسه .. وجب عليه ذلك، ومن قدر على أحدهما، وجب عليه ما كان في مقدرته {ذَلِكُمْ} الذي أمرتم به من النفر والجهاد الذي هو الوسيلة في حفظ كيان الأمم وعلو كلمتهم {خَيْرٌ لَّكُمْ} من القعود والتثاقل في دينكم ودنياكم، إما في الدين فلا سعادة إلا لمن ينصر الحق، ويقيم العدل، باتباع هدى الدين والعمل بالشرع الحكيم، وأما في الدنيا، فإنه لا
(1) الفتوحات.