الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بِيَدِ اللَّهِ} فإنه مالك له {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} من عباده؛ أي: يعطيه محمدًا وأصحابه.
والله تعالى حكى عن اليهود أمرين:
أحدهما: أنهم آمنوا وجه النهار وكفروا آخره؛ ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإِسلام، فأجاب الله عن ذلك بقوله:{إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} ؛ أي: إن مع كمال هداية الله وقوة بيانه، لا يكون لهذه الشبهة الركيكة قوة ولا أثر.
وثانيهما: أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكمة والنبوة، فأجاب الله عن ذلك بقوله:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} . {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} الفضل وكامل القدرة، فيقدر أن يتفضل على أي عبد شاء بأي تفضل شاء {عَلِيمٌ}؛ أي: كامل العلم، فلا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب.
74
- {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} ، أي: يخص برحمته من النبوة والرسالة والدين، أي: برحمته التي بلغت في الشرف وعلو المرتبة إلى أن تكون أعلى وأجل من أن تقاس، أي: يجعل رحمته مقصورة على {مَنْ يَشَاءُ} : من عباده؛ أي: محمدًا وأصحابه. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} والمنّ الجسيم، فلا نهاية لمراتب إعزاز الله وإكرامه لعباده، والله أعلم بمعنى كلامه، وهو ولي التوفيق لأقوم العبارة والتحقيق، وهذا من المواضع التي تشاك فيها الأقدام، وتكل فيها الأقلام، وارتابت فيها الأفهام، وارتبكت فيها الأعلام إلا من مُنح بمنح العالم العلَّام. قال الواحدي: وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرًا وإعرابًا، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية، فلم أجد قولًا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى، وصحة النظم.
الإعراب
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} إلى قوله:{فَإن تَوَلَّوا} مقول محكي، وإنْ شئت قلت
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول {تَعَالَوْا}: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ {قُلْ}. {إِلَى كَلِمَةٍ}: متعلق بـ {تَعَالَوْا} {سَوَاءٍ} : صفة لـ {كَلِمَةٍ} ؛ لأنه في تأويل مستوية، {بَيْنَنَا}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {سَوَاءٍ}. {وَبَيْنَكُمْ}: معطوف عليه. {ألَّا} : {أَن} : حرف نصب ومصدر {لا} نافية. {نَعْبُدَ} : فعل مضارع منصوب بـ (أن)، وفاعله ضمير يعود على النبي ومن معه من أهل الكتاب {إِلَّا اللَّهَ}: منصوب على الاستثناء، والمستثنى منه محذوف تقديره: أحدًا إلا الله، والجملة الفعلية صلة (أنْ)، (أنْ) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بدل من {كَلِمَةٍ} ، أو مرفوع على كونه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي عدم عبادتنا غير الله.
{وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} .
{وَلَا} الواو عاطفة، {لا}: نافية، {نُشْرِكَ}: معطوف على {نَعْبُدَ} ، منصوب بـ {أن} ، وفاعله ضمير يعود على النبي ومن معه. {بِهِ}: متعلق بـ {نُشْرِكَ} {شَيْئًا} : مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {نَعْبُدَ} على كونها في تأويل مصدر مجرور أو مرفوع {وَلَا}: الواو عاطفة {لا} : نافية {يَتَّخِذَ} : معطوف على {نَعْبُدَ} ، {بَعْضُنَا}: فاعل ومضاف إليه {بَعْضًا} : مفعول أول {أَرْبَابًا} : مفعول ثانٍ، والجملة معطوفة على جملة {نَعْبُدَ} على كونها في تأويل مصدر مجرور أو مرفوع {من دون الله}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ {أربابًا} .
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .
{فَإن} الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا قلت لهم ما أمرتك به، وأردت بيان حكم ما إذا أعرضوا .. فأقول لك {إن}: حرف شرط جازم {تَوَلَّوْا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {أن} على كونه فعل شرط لها. {فَقُولُوا} : الفاء رابطة لجواب {إن} ) وجوبًا. {قولوا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه جوابًا لها، وجملة (إن) الشرطية في محل
النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}: مقول محكي لـ {قولوا} ، وإنْ شئت قلت:{اشْهَدُوا} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قولوا}. {بِأَنَّا}: الباء حرف جر (أنا): حرف نصب، واسمها. {مُسْلِمُونَ}: خبرها، وجملة (أن) في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بكوننا مسلمين، الجار والمجرور متعلق بـ {اشْهَدُوا} .
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} : منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة، أو في محل النصب معطوفة بعاطف مقدر على جملة {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} الأولى. {لِمَ}: اللام حرف جر {م} : اسم استفهام للاستفهام الإنكاري التوبيخي أو التعجبي في محل الجر وباللام مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين (ما) الموصولة - الجار والمجرور متعلق بـ {تُحَاجُّونَ} المذكور بعده. {تُحَاجُّونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب، أو في محل النصب مقول القول على كونها معطوفة {فِي إِبْرَاهِيمَ}: متعلق بـ {تُحَاجُّونَ} . {وَمَا أُنْزِلَتِ} : الواو حالية {ما} : نافية، {أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ}: فعل ونائب فاعل {وَالْإِنْجِيلُ} : معطوف على {التَّوْرَاةُ} . {إلا} أداة استثناء مفرغ {من بعده} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {أُنْزِلَتِ} ، والجملة الفعلية في محل النصب حال من إبراهيم تقديره: لم تحاجون في إبراهيم، والحال أن التوراة والإنجيل متأخران عنه. {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على مقدَّر هو المعطوف عليه بهذا العاطف المذكور - أعني: الفاء - تقديره: ألا تتفكرون. {فلا تعقلون} : الفاء عاطفة، {لا}: نافية، {تَعْقِلُونَ}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ألا تتفكرون المقدرة على كونها جملة استفهامية لا محل لها من الإعراب.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}.
{ها} حرف تنبيه {أنتم هؤلاء} : أنتم: مبتدأ، ها: حرف تنبيه، أولاء؛ اسم إشارة للجمع المذكر في محل النصب منادى نكرة مقصودة، حذف منه حرف النداء، مبني بضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، وجملة النداء معترضة لاعتراضها بين المبتدأ والخبر {حَاجَجْتُمْ}: فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. {فِيمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {حَاجَجْتُمْ} . {لَكُم} : خبر مقدم {عِلمٌ} : مبتدأ مؤخر {بِهِ} : متعلق بمحذوف حال من {عِلْمٌ} ؛ إذ لو تأخر .. لصح جعله نعتًا، ولا يجوز أن يتعلق بـ {عِلْمٌ} ؛ لأنه مصدر، والمصدر لا يتقدم معموله عليه، والجملة الإسمية صلة لـ (ما)، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ} {فَلِمَ تُحَاجُّونَ}: الفاء عاطفة، اللام: حرف جر، (م): اسم استفهام في محل الجر باللام، الجار والمجرور متعلق بـ {تُحَاجُّونَ} المذكور بعده، {تُحَاجُّونَ}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {حَاجَجْتُمْ} ، {فِيمَا} ، جار ومجرور متعلق بـ {تحاجون}. {لَيْسَ}: فعل ماضٍ ناقص. {لَكُم} : جار ومجرور خبر مقدم، {بِهِ}: حال من علم؛ لأنه صفة نكرة تقدمت عليه. {عِلْمٌ} : اسم {لَيْسَ} مؤخر، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ} ، {وَاللَّهُ}: الواو استئنافية (الله): مبتدأ، {يَعْلَمُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة .. {وَأَنْتُمْ}: الواو عاطفة {أنتم} : مبتدأ، وجملة {لَا تَعْلَمُونَ} خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ} .
{مَا} : نافية، {كاَنَ}: فعل ماضٍ ناقص {إِبْرَاهِيمُ} : اسمها، {يَهُودِيًّا}: خبرها، {وَلَا نَصْرَانِيًّا}: معطوف عليه، وجملة {كَانَ} مستأنفة. {وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}: الواو اعتراضية {لكن} : حرف استدراك {كَانَ} : فعل ماضٍ ناقص،
واسمها ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمُ} ، {حَنِيفًا}: خبر أول لها، {مُسْلِمًا} خبر ثانٍ، وجملة {كاَنَ} جملة استدراكية معترضة لاعتراضها بين المتعاطفين. {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: الواو عاطفة، (ما) نافية، {كاَنَ}: فعل ماضٍ، واسمها ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمُ} ، {مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: جار ومجرور خبرها، وجملة {كان} معطوفة على جملة {كاَنَ} الأولى.
{إِنَّ} : حرف نصب {أَوْلَى النَّاسِ} : اسمها ومضاف إليه {بِإِبْرَاهِيمَ} : متعلق بـ {أَوْلَى} ، {لَلَّذِينَ}: اللام حرف ابتداء (الذين): اسم موصول في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {اتَّبَعُوهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل {وَهَذَا} في محل الرفع معطوف على الموصول. {النَّبِيُّ}: صفة لاسم الإشارة، أو بدل، أو عطف بيان منه {وَالَّذِينَ}: اسم موصول في محل الرفع معطوف على الموصول الأول {آمَنُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل، {وَاللَّهُ}: الواو عاطفة (الله): مبتدأ {وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} : خبر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة {إِنَّ} .
{وَدَّتْ طَائِفَةٌ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ {طَائِفَةٌ} ، {لَوْ}: حرف مصدر {يُضِلُّونَكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة {لَوْ} المصدرية {لَوْ} مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: وَدَّتْ طائفة من أهل الكتاب إضلالهم إياكم {وَمَا يُضِلُّونَ} : الواو حالية (ما): نافية {يُضِلُّونَ} : فعل وفاعل {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {أَنْفُسَهُمْ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة حال من فاعل {لو يضلون} ، {وَمَا يَشْعُرُونَ}: الواو عاطفة {ما} : نافية {يَشْعُرُونَ} :
فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَمَا يُضِلُّونَ} .
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)} .
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} : منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة {لِمَ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَكْفُرُونَ} . {تَكْفُرُونَ} : فعل وفاعل، والجملة جواب النداء {بِآيَاتِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {تَكْفُرُونَ}. {وَأَنتُمْ}: الواو حالية، {أنتم}: مبتدأ، وجملة {تَشْهَدُونَ} خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل {تَكْفُرُونَ} .
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} : منادى مضاف، وجملة النداء معطوفة على جملة النداء الأولى {لِمَ تَلْبِسُونَ}:{لِمَ} : جار ومجرور متعلق بـ {تَلْبِسُونَ} ، {تَلْبِسُونَ}: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء. {الْحَقَّ}: مفعول به {بِالْبَاطِلِ} متعلق بـ {تَلْبِسُونَ} : {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {تَلْبِسُونَ}. {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: الواو حالية {أنتم} : مبتدأ، {تَعْلَمُونَ} خبره، والجملة في محل النصب حال من فاعل {تكتمون} .
{وَقَالَتْ} الواو استئنافية، {قالت طائفة}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {طَائِفَةٌ} . {آمِنُوا} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{آمِنُوا} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول، {بِالَّذِي}: جار ومجرور متعلق بـ {آمِنُوا} . {أُنزِلَ} : فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول {عَلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {أُنزِلَ} . {آمَنُوا} فعل وفاعل، الجملة صلة الموصول {وجْه اَلنَهَارِ} ظرف ومضاف إليه، متعلق بقوله {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ}. {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}: الواو عاطفة {اكفروا} : فعل وفاعل {آخِرَهُ} :
ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ {اكْفُرُوا} ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله:{آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ} . {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} : {لعل} : حرف ترجٍ وتعليل، والهاء اسمها، وجملة {يَرْجِعُونَ}: خبرها، وجملة {لعل} في محل الجر بلام التعليل المقدرة المتعلقة بـ {اكفروا} .
73 -
{وَلَا} الواو عاطفة {لا} : ناهية {تُؤْمِنُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ} على كونها مقولًا لـ {قالت} . {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ، {لِمَن}: اللام زائدة (من): اسم موصول في محل النصب على الاستثناء مقدَّم على المستثنى منه {تَبِعَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على (من)، والجملة صلة الموصول {دِينَكُمْ}: مفعول به ومضاف إليه {قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة معترضة؛ لاعتراضها بين العامل والمعمول. {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإنْ شئت قلت:{إِنَّ} : حرف نصب {الْهُدَى} اسمها {هُدَى اللَّهِ} : خبرها ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ}. {أَن}: حرف نصب ومصدر {يُؤْتَى} فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بـ {أَن} {أَحَدٌ} : نائب فاعل، وهو المفعول الأول لـ (أتى)؛ لأنه بمعنى: أعطى، وهو المستثنى منه {مِثْلَ مَا}: مفعول ثانٍ ومضاف إليه {أُوتِيتُمْ} : فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: أوتيتموه، وهو العائد على (ما)، وجملة {أُوتِيتُمْ} صلة لـ (ما) أو صفة لها، وجملة {يُؤْتَى} صلة {أَن} المصدرية. {أن}: مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لقوله: {وَلَا تُؤْمِنُوا} تقديره: ولا تؤمنوا إيتاء أحد من الناس مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم، أي: إلا إيتاءه. {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} : أو: حرف عطف، {يُحَاجُّوكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يُؤْتَى} ، {عِنْدَ رَبِّكُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {يُحَاجُّوكُمْ} .
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {إنَّ اَلفَضْلَ بِيَدِ اللهِ} إلى آخر الآية التالية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{إنَّ} : حرف نصب. {اَلفَضْلَ} : اسمها. {بِيَدِ اللَّهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ}: في محل النصب مقول {قُلْ} . {يُؤْتِيهِ} فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} {مَن}: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان، وجملة {يَشَاءُ} صلته، والعائد محذوف تقديره: من يشاء إيتاءه، وجملة {يُؤْتِيهِ} في محل الرفع خبر ثانٍ لـ {إنَّ} ، ويجوز أن تكون مستأنفة، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو يؤتيه. {وَاللَّهُ} : مبتدأ {وَاسِعٌ} : خبر أول {عَلِيمٌ} : خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة {يَخْتَصُّ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على (الله)، والجملة مستأنفة {بِرَحْمَتِهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يَخْتَصُّ}. {مَن}: اسم موصول في محل النصب مفعول {يَخْتَصُّ} ، وجملة {يَشَاءُ} صلة {مَن}. {وَاللَّهُ}: مبتدأ {ذُو الْفَضْلِ} : خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة {الْعَظِيمِ}: صفة لـ {الْفَضْلِ} . والله سبحانه وتعالى أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} : أصل تعالوا: تعاليوا، فقلبت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع الواو - كما مر -، وسواء: اسم مصدر بمعنى؛ الاستواء، ويوصف به على أنه بمعنى: مستو، فيحتمل حينئذٍ ضميرًا، ويرفع الظاهر، ومنه قولهم: مررت برجل سواء والعدم - برفع العدم -، على أنه معطوف عى الضمير المستكن في سواء، ولا يثنى، ولا يجمع، إما لكونه في الأصل مصدرًا وإما للاستغناء عن تثنيته بتثنية نظيره، وهو سيّ بمعنى مثل، تقول: هما سِيَّان؛ أي: مثلان، وليس هو الظرف الذي يستثنى به في قولهم: قاموا سواء زيد وإن شاركه لفظًا.
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ} : وأولى: اسم تفضيل من ولى يلي، وألفه منقلبة عن
ياء؛ لأن فاءه واو، فلا تكون لامه واوًا؛ إذ ليس لنا في كلام العرب ما فاؤه ولامه واو إلا واو التهجي، فمعنى {أَوْلَى النَّاسِ}: أخصهم به وأقربهم منه؛ لأنه من الوَلي بمعنى: القرب.
{وَدَّتْ طَائِفَةٌ} : يقال: وددتُ لو تفعل كذا - من فَعِل المكسور المضاعف - يَوَد بفتح العين على القياس وُدًا بضم أوله وفتحه ووِدادًا ووَدادة بالفتح فيهما؛ أي: تمنيت ووددت لو أنك تفعل كذا مثله، وودِدت الرجل بالكسر وُدًا بضم أوله: أحببته، والود - بضم الواو وفتحها وكسرها -: المودة ذكره في "المختار"{والطائفة} من الشيء: القطعة منه وقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الواحد فما فوقه. انتهى. "مختار".
{تَلْبِسُونَ الْحَقَّ} : اللبس الخلط، يقال: لبس الأمر عليه إذا اشتبه واختلط عليه يلبِس من باب: ضَرَب.
{وَجْهَ النَّهَارِ} : منصوب على الظرفية الزمانية، وناصبة {آمَنُوا} - كما مر، ومعناه أوَّلَ (1) النهار. شُبِّه بوجه الإنسان؛ لأنه أول ما يواجه من النهار، وقال الربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير بن خزيمة العبسي:
مَنْ كانَ مَسْرُورًا بمَقْتَلِ مَالِكٍ
…
فَلْيَأتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} : يقال: اختصه بكذا إذا خصه به، وهو من باب: افتعل فبناؤه لمبالغة الثلاثي، والله أعلم.
البلاغة
وقد جمعت هذه الآية من ضروب البلاغة أنواعًا كثيرة (2):
فمنها: المجاز في قوله: {إِلَى كَلِمَةٍ} ؛ حيث أطلق اسم الواحد على الجمع.
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
ومنها: التكرار في قوله: {إلا الله} {وإن الله} ، وفي قوله:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ} ، وفي قوله:{إِبْرَاهِيمَ} و {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ} و {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} .
ومنها: التشبيه في قوله: {أَرْبَابًا} لما أطاعوهم في التحليل والتحريم، وأذعنوا إليهم .. أطلق عليهم أربابًا تشبيهًا لهم بالرب المستحق للعبادة والربوبية.
ومنها: الإجمال في الخطاب في قوله: {تَعَالَوْا} ، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ} ؛ كقول إبراهيم. {يا أبت} ، {يا أبت} ، وكقول الشاعر:
مَهْلًا بَنِيْ عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِيْنَا
…
لَا تَنْبُشُوْا بَيْنَنَا مَا كَانَ مَدْفُوْنَا
وقول الآخر:
بَنِيْ عَمِّنَا لَا تَنْبُشُوْا اَلشَرَّ بَيْنَنَا
…
فَكَمْ مِنْ رَمَادٍ صَارَ مِنْهُ لَهِيْبُ
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: {أَوْلَى} و {وَلِيُّ} .
ومنها: الطباق في قوله: {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} .
ومنها: الطباق المعنوي في قوله: {لِمَ تَكْفُرُونَ} ، {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} ؛ لأن الشهادة إقرار وإظهار، والكفر ستر.
ومنها: الجناس التام في قوله: {يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ} .
ومنها: التجنيس المماثل والتكرار في قوله: {آمِنُوا} و {آمَنُوا} ، وفي {الْهُدَى} و {هُدَى اَللهِ} ، وقوله:{يُؤْتَى} و {أوتِيُتمْ} ، وفي قوله:{إِنَّ اَلفَضْلَ} و {ذُو الْفَضْلِ} .
ومنها: التكرار أيضًا في اسم الله في أربعة مواضع.
ومنها: الطباق في قوله: {آمِنُوا} {وَاكْفُرُوا} وفي قوله: {وَجْهَ اَلنَهَارِ} و {آخِرَهُ} .
ومنها: الاختصاص في قوله: {وَجْهَ النَّهَارِ} ؛ لأنه وقت اجتماعهم بالمؤمنين يراؤونهم و {آخِرَهُ} ؛ لأنه وقت خلوتهم بأمثالهم من الكفار والحذف في مواضع.
وفي قوله: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} تبكيت (1) لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير، وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم، وإزراء على من قلد الرجال في دين الله، فحلل ما حللوه له، وحَرَّم ما حرموه عليه، فإنَّ من فعل ذلك .. فقد اتخذ من قلده ربًّا، ومنه:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} .
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) الشوكاني.
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
لمَّا بين الله سبحانه وتعالى خيانة أهل الكتاب في الدين وقبائحهم وكيدهم للمسلمين ليرجعوا عن دينهم، وصدهم عن الدعوة لذلك الدين الجديد بكل وسيلة يستطيعونها، زعمًا أنَّهم شعب الله المختار، وأنَّ الدين الحق خاص بهم، لا يعدوهم إلى شعب آخر، ولا إلى أمة أخرى .. أردف ذلك بذكر أوصاف طائفة أخرى منهم تخون الأمانات، وتستحل أكل أموال الناس بالباطل، تأويلًا للكتاب وغرورًا في الدين، وهم اليهود خاصة، فهم خائنون من جهة الدين والمال فقد خانوا الله والناس بتحريفهم كلام الله عن معناه، واستحلالهم أكل أموال الناس بالباطل.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري عن شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر .. لقي الله وهو
عليه غضبان"، فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية، فجاء الأشعث فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن، فيَّ أنزلت هذه الآية؟ كانت لي بئر في أرض ابن عم لي، فقال لي: شهودك؟ قلت: ما لي شهود، قال: فيمينه، قلت: يا رسول الله، إذًا يحلف، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فأنزل الله ذلك تصديقًا له.
وأخرج البخاري أيضًا من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها: لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا
…
} الآية.
قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري"، ولا منافاة بين الحديثين، بل يحمل على أنَّ النزول كان بالسببين معًا، ولفظ الآية أعم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة (1): أنَّ الآية نزلت في حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة، وبدّلوه، وحلفوا أنَّه من عند الله، قال الحافظ ابن حجر: الآية محتملة، لكن العمدة في ذلك ما ثبت في "الصحيح".
قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ
…
} الآية، أخرج (2) ابن إسحاق والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال أبو رافع القرظي - حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإِسلام -: أتريد يا محمَّد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى؟ قال صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله". فأنزل الله في ذلك: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} إلى قوله: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" عن الحسن قال: بلغني أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال:"لا، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله؛ فإنَّه لا ينبغي أنْ يُسجَد لأحد من دون الله"، فأنزل الله:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ} إلى قوله: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
(1) لباب النقول.
(2)
لباب النقول.