المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌19 - وقوله: {أن الدين الإِسلام} بمعنى شهد الله أنه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌19 - وقوله: {أن الدين الإِسلام} بمعنى شهد الله أنه

‌19

- وقوله: {أن الدين الإِسلام} بمعنى شهد الله أنه كذا، وأن الدين الإِسلام. قال ابن كيسان: أن الثانية بدل من الأولى، وهذه رواية شاذة عن الكسائي رحمه الله تعالى.

وخلاصة معنى هذه الجملة (1): أن جميع الملل والشرائع التي جاءت بها الأنبياء والرسل روحها الإِسلام، والانقياد والخضوع. وإن اختلفت في بعض التكاليف وصور الأعمال، وبه كان الأنبياء يوصون، فالمسلم الحقيقي مَنْ كان خالصًا من شوائب الشرك مخلصًا في أعماله مع الإيمان من أي ملة كان، وفي أي زمان وجد، وهذا هو المراد بقوله جلَّ ذكره:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .

وذلك أن الله شرع الدين لأمرين:

أحدهما: تصفية الأرواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبية للمخلوقات، بها تستطيع التصرف في الكائنات؛ لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها.

وثانيهما: إصلاح القلوب بحسن العمل وإخلاص النية لله.

وأما العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الخلقي؛ ليسهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الدينية.

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله وهو: دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءَه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.

وخطب علي رضي الله عنه قال: الإِسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل، ثم قال: إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه، إن المؤمن

(1) المراغي.

ص: 228

يعرف إيمانه في عمله، والكافر يعرف كفره بإنكاره، أيها الناس دينَكُم دينَكُم، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره؛ إن السيئة فيه تغفر وأن الحسنة في غيره لا تقبل.

{وَمَا اخْتَلَفَ} وتفرق {الَّذِينَ أُوتُوا} وأعطوا {الْكِتَابَ} ؛ أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإِسلام، وأنكروا نبوة محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ} وحصل لهم {الْعِلْمُ} والمعرفة بصدق محمَّد صلى الله عليه وسلم بما عرفوه في كتبهم من نعته ووصفه قبل بعثته. {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} ؛ أي: ما خالفوه وأنكروه إلا لأجل الحسد الكائن منهم وطلب الرياسة لا لشُبهةٍ وخفاءٍ في أمره.

وقال الأخفش (1): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيًا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو: خلافهم في كون نبينا صلى الله عليه وسلم نبيًّا أم لا، وقيل: اختلافهم في دين الإِسلام، فقال قوم؛ إنه حق، وقال قوم: إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقًا، وقيل: اختلافهم في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقيل: اختلافهم في نبوة عيسى وقيل: اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيء.

وقيل معنى الآية (2): وما خرج أهل الكتاب من الإِسلام الذي جاء به أنبياؤهم وصاروا مذاهب وشيعًا يقتتلون في الدين، والدين واحد، لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحد من الرؤساء، ولولا بغيهم ونصرهم مذهبًا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأي والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه .. لما حدث هذا الاختلاف، والقصد من إخبار هذا الاختلاف أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب، كما فعل مَن قبلنا،

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

ص: 229