المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حالة كون ذلك الكتاب ملتبسًا {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالعدل فيما خصك - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: حالة كون ذلك الكتاب ملتبسًا {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالعدل فيما خصك

حالة كون ذلك الكتاب ملتبسًا {بِالْحَقِّ} ؛ أي: بالعدل فيما خصك به من شرف النبوة، وقيل: بالعدل في أحكامه أو بالصدق في أخباره عن القرون الماضية، وفي وعده ووعيده، وقيل. معنى بالحق: بالبراهين القاطعة والحجج المحققة أنها من عند الله تعالى، أو بالقول الفصل وليس بالهزل ولا بالمعاني الفاسدة المتناقضة.

وحالة كون ذلك الكتاب {مُصَدِّقًا} وموافقًا {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ؛ أي؛ لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى التوحيد والإيمان وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه، وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية، وفي الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، وأما (1) في الشرائع المختلفة فيها فمن حيث أن أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم.

وفائدة (2) تقييد التنزيل بهذه الحال - أعني: {مُصَدِّقًا} - حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل، وتنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتمًا.

{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ} جملة على موسى بن عمران {وَالْإِنْجِيلَ} جملة على عيسى بن

‌4

- مريم عليهما السلام {مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: من قبل تنزيل القرآن {هُدًى} ؛ أي: حال كونهما هاديين من الضلالة {لِلنَّاسِ} في زمانهما يعني بني إسرائيل فهو حال من التوراة والإنجيل، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر، ويصح كونه مفعولًا له، والعامل فيه {أنزل}؛ أي: أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما.

وعبر فيهما بـ {أنزل} ، وفي القرآن بـ {نَزَّلَ} المقتضي للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلاف القرآن، قاله السيوطي رحمه الله تعالى. وقيل هذا التعليل منتقض بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ، وبقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ

(1) أبو السعود.

(2)

الكرخي.

ص: 173

عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وبقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} ، وحينئذٍ فالأَولى أن يقال: اختلاف التعبير في الموضعين للتفنن.

{وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} ؛ أي: وأنزل جميع الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر الكتب الثلاثة أولًا ليعم ما عداها من بقية الكتب المنزلة، فكأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، فيكون من عطف العام على الخاص؛ حيث ذكر أولًا الكتب الثلاثة، ثم عمم الكتب كلها؛ ليختص المذكور أولًا بمزيد شرف، قاله الكرخي رحمه الله تعالى.

وقال ابن عطية رحمه الله تعالى (1): المراد بالفرقان القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له ومدح من كونه فارقًا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله.

وقيل الفرقان: كل أمر فرق بين الحق والباطل فيما قدم وحدث، فدخل في هذا التأويل طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، وفرق البحر لغرق فرعون، ويوم بدر وسائر أفعال الله المفرقة بين الحق والباطل، وقيل الفرقان: النصر.

وقال الفخر الرازي رحمه الله تعالى (2): المختار أن المراد بالفرقان: هو المعجزات التي قرنها الله تعالى بإنزال هذه الكتب الثلاثة؛ لأنه لما أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق دعوى الرسل حصلت المفارقة بين دعوى الصادق ودعوى الكاذب، فالفرقان هي المعجزة، وقال ابن جرير: أنزل بإنزال القرآن الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل، وقيل غير ذلك.

وقال المراغي رحمه الله تعالى: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} ؛ أي: وأنزل العقل الذي يفرق به بين الحق والباطل في العقائد، وغيرها، وقال السدي (3) رحمه الله

(1) ابن عطية.

(2)

الفخر الرازي.

(3)

الخازن.

ص: 174