الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتَنَاسَاهُ كَأنْ لَمْ تَأْتِهِ
…
وَهُوَ فِي الْعَالَمِ مَشهُوْرٌ كَبِيْر
وقال قائلهم يذم المنان بالعطاء:
أتَيْتَ قَلِيلًا ثُمَّ أَسْرَعْتَ مِنَةً
…
فَنَيْلُكَ مَمْنُونٌ لِذَلِكَ قَلِيْلُ
وقيل المراد بالمن: هو المن على الله، وهو العُجب والأذى لصاحب النفقة. {لَهُمْ أَجْرُهُمْ}؛ أي: ثواب إنفاقهم مدخرًا لهم {عِنْدَ رَبِّهِمْ} في الآخرة {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} يوم القيامة؛ أي: فلا يخافون فَقْد أجورهم، ولا يخافون العذاب البتة {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا خلفهم من الدنيا.
263
- {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} ؛ أي: كلام جميل يرد به السائل، من غير إعطاء شيء {وَمَغْفِرَةٌ} من المسؤول عن بذاءَة لسان الفقير {خَيْرٌ} للسائل {مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا}؛ أي: يعقبها {أَذًى} ؛ أي: مَنٌّ وتعيير للسائل بالسؤال؛ لكونها مشوبة بضرر التعيير له؛ أي: هذا القول المعروف من المسؤول، والرد الجميل، والمسامحة عن بذاءة لسان السائل خيرٌ للسائل من صدقة يأخذها، ويعقبها المن والتعيير من المسؤول له. وقال الشوكاني (1): والمعنى: أن القول المعروف من المسؤول للسائل، وهو: التأنيس والترجية بما عند الله، والرد الجميل خير من الصدقة التي يتبعها أذى. وقد ثبت في "صحيح مسلم" عنه صلى الله عليه وآله وسلم: الكلمة الطيبة صدقة، وأن "مِنَ المعروف: أن تلقى أخاك بوجه طلق".
وما أحسن ما قاله ابن دريد:
لَا تُدْخِلَنَّكَ ضَجْرَةٌ مِنْ سَائِلٍ
…
فَلِخَيْرِ دَهْرِكَ أَنْ تُرَى مَسْؤُولَا
لَا تَجْبَهَن بِالرَّدِّ وَجْهَ مَؤَمِّلٍ
…
فَبَقَاءُ عِزِّكَ أَنْ تُرَى مَأْمُولَا
والمراد بالمغفرة: الستر للخلة وسوء حالة المحتاج، والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدِّر صدر المسؤول. انتهى.
264
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم {لَا
(1) فتح القدير.
تُبْطِلُوا}؛ أي: لا تحبطوا أجور {صَدَقَاتِكُمْ} ، ولا تفسدوها {بِالْمَنِّ} على الفقير {وَالْأَذَى} له، أي: لا تبطلوها بالمن والأذى جميعًا، أو بأحدهما إبطالًا كإبطال أجر نفقة {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ} في وجوه الخير {رِئَاءَ النَّاسِ}؛ أي: مُرآةً لهم وسمعة بهم؛ ليروا نفقته، ويمدحوه، ويقولوا: إنه سخي كريم، ولا يريد بإنفاقه رضا الله، ولا ثواب الآخرة. وقرأ طلحة بن مصرف {رياء} بإبدال الهمزة الأولى ياء لكسر ما قبلها، وهي مروية عن عاصم لكنها شاذة. {و} لإبطال (1) المنافق الذي {لا يؤمن بالله واليوم الآخر}؛ أي: أصلًا بأن يكون كافرًا، أو إيمانًا كاملًا؛ بأن يكون مسلمًا عاصيًا، فإن المنافق والمرائي يأتيان بالصدقة، لا لوجه الله تعالى. ومن يقرن الصدقة بالمن والأذى .. فقد أتى بتلك الصدقة، لا لوجه الله أيضًا؛ إِذ لو كان غرضه من تلك الصدقة مرضاة الله تعالى. لما مَنَّ على الفقير، ولا آذاه. فالمقصود من الإبطال: الإتيان بالإنفاق باطلًا؛ لأن المقصود الإتيان به صحيحًا، ثم إحباطه بسبب المن والأذى {فَمَثَلُهُ}؛ أي: فمثل هذا المرائي والمنافق، وصفته في إنفاقه، وحالته {كصفوان}؛ أي: كصفة صفوان، وحالته. و {الصفْوان} بسكون الفاء: الحجر الكبير الأملس. وقرأ ابن المسيب والزهري {كصفوان} بفتح الفاء ولكنّه شاذٌّ في الأسماء؛ لأن الفتح في المصادر، كالغليان والفوقان؛ أي: كحالة الحجر الأملس {عَلَيْهِ تُرَابٌ} ؛ أي: شيء من تراب فظنه الظان أرضًا منبتة طيبة {فَأَصَابَهُ} ؛ أي: أصاب ذلك الصفوان {وَابِلٌ} ؛ أي: مطر شديد {فَتَرَكَهُ} ؛ أي: فجعل المطر ذلك الحجر {صَلْدًا} ؛ أي: أجرد أملس نقيًّا من التراب، وأخلف ما ظنه الظان كذلك، هذا المنافق والمرائى يرى الناس أن له أعمالًا؛ كما يرى التراب على هذا الصفوان، فإذا كان يوم القيامة .. اضمحلت وبطلت؛ كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب؛ كما قال تعالى:{لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} ؛ أي: لا يقدر هؤلاء المراؤون على ثواب شيء في الآخرة مما أنفقوا في الدنيا رئاءً، فضمير قوله:{فَمَثَلُهُ} عائد على المرائي والمنافق، فيكون المعنى: إن الله
(1) مراح.