المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والسعي في إزالة طغيانه وتحكمه في الرقاب والبلاد، هذه مصيبة - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والسعي في إزالة طغيانه وتحكمه في الرقاب والبلاد، هذه مصيبة

والسعي في إزالة طغيانه وتحكمه في الرقاب والبلاد، هذه مصيبة ما أعظمها. فإنا لله وإنا إليه راجعون، فنسأل الله أن ينصر المسلمين على أعدائهم، ويردَّ إليهم أراضيهم بتوفيقهم كلمة الحق. آمين.

{بِيَدِكَ} يا إلهي لا بيد غيرك {الْخَيْرُ} كله من الإعزاز والنصرة والغنيمة، وكذا بيدك الشر من الإذلال والخذلان والهزيمة، فهو من باب الاكتفاء. إلا أنه خص الخير بالذكر؛ لأنه المنتفع به والمرغوب فيه، ولأنه المناسب للمقام، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي، وضعف أتباعه، وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز والنصر، وأن يذكره بأن الخير كله بيده فلا يعجزه أن يعطي نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطنة ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم، كما قال:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)} .

واليد صفة ثابتة له تعالى نؤمن بها ولا نكيفها ولا نمثلها، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} كما هو المذهب الأعلم الأسلم الذي عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم {إِنَّكَ} يا إلهي {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} تريده من إيتاء الملك لمن تشاء ونزعه منه، وإعزاز من تشاء وإذلال من تشاء {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر عليه ولا يقدر على شيء أحد غيرك إلا بإقدارك.

‌27

- {تُولِجُ اللَّيْلَ} ؛ أي: إنك يا إلهي بقدرتك تدخل بعض ساعات الليل {فِي النَّهَارِ} فيكون النهار أطول بقدر ما نقص من الليل حتى يكون النهار خمسة عشر ساعة، وذلك غاية طول النهار، ويكون الليل تسع ساعات، وذلك غاية قصر الليل؛ كما يكون في زمن الصيف {وَتُولِجُ النَّهَارَ}؛ أي: وتدخل بعض ساعات النهار {فِي اللَّيْلِ} فيكون الليل أطول بقدر ما نقص من النهار حتى يكون الليل خمسة عشر ساعة، وذلك غاية طوله، ويكون النهار تسع ساعات، وذلك غاية قصره؛ كما يكون في زمن الشتاء.

ص: 252

وقيل (1): المراد أنه تعالى يأتي بسواد الليل عقيب ضوء النهار، ويأتي بضوء النهار بعد ظلمة الليل. والقول الأول أصح وأقرب إلى معنى الآية؛ لأنه إذا نقص الليل كان ذلك القدر زيادة في النهار، وبالعكس وهو معنى: الولوج.

والخلاصة: أنك بحكمتك في خلق الأرض مكورة، وجعل الشمس بنظام خاص تزيد في أحد الملوين الليل والنهار ما يكون سببًا في نقص الآخر، فليس بالمنكر بعد هذا أن تؤتي النبوة والملك من تشاء؛ كمحمد وأمته من العرب، وتنزعهما ممن تشاء؛ كبني إسرائيل، فما مثل تصرفك في شؤون الناس إلا مثل تصرفك في الليل والنهار.

{و} إنك يا إلهي {تخرج الحي} حياة معنوية {مِنَ الْمَيِّتِ} موتًا معنويًّا؛ كالعالم من الجاهل، والمؤمن من الكافر؛ كعكرمة من أبي جهل؛ لأن المؤمن حي الفؤاد والكافر ميت الفؤاد، أو حياة وموتًا حسيين؛ كالإنسان من النطفة، والطائر من البيضة.

{وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ} موتًا معنويًّا أو حسيًّا {مِنَ الْحَيِّ} حياة معنوية أو حسية؛ كالجاهل من العالم، والكافر من المؤمن؛ ككنعان من سيدنا نوح عليه السلام، وكالنطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، وكذلك سائر الحيوان.

{و} إنك يا إلهي {ترزق} وتعطي {مَنْ تَشَاءُ} وتريد رزقه رزقًا كثيرًا {بِغَيْرِ حِسَابٍ} ومقدار لا يعرف الخلق عدده، ومقداره لكثرته وإن كان معلومًا عنده تعالى يعني من غير تضييق ولا تقتير، بل تبسط الرزق لمن تشاء وتوسعه عليه.

والخلاصة: أن من قدر على تلك الأفعال العجيبة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب .. فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم، ويذلهم، ويؤتيه العرب، ويعزهم فإن الأمر كله بيده، وفي بعض الكتب السالفة: أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني .. جعلتهم

(1) الخازن.

ص: 253