المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولكن واأسفًا وقعنا فيما وقع فيه السالفون، وتفرقنا طرائق قددًا، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ولكن واأسفًا وقعنا فيما وقع فيه السالفون، وتفرقنا طرائق قددًا،

ولكن واأسفًا وقعنا فيما وقع فيه السالفون، وتفرقنا طرائق قددًا، وأصابنا من الخذلان والذل بسبب هذا التفرق ما لا نَزَال نَئِنَّ منه، ونرجو أن يشملنا الله بعفوه ورحمته ويمدنا بروح من عنده، فيسعى أهل الإيمان الصادق في نبذ الاختلاف والشقاق، والعودة إلى الوحدة والاتفاق حتى يعود المسلمون إلى سيرتهم الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن تبعهم بإحسان.

{وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ} ، أي: ومن ينكر بالآيات الدالة على أن الدين المرضي عند الله هو الإِسلام بأن لم يعمل بمقتضاها {فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ؛ أي: المجازاة له على كفره؛ أي: فإنه يحاسبه على كفره ويجازيه عليه قريبًا، ولا يخفى ما فيه من الوعيد والتهديد.

وخلاصة هذا الكلام: ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين ووحدته وحرمة الاختلاف والتفرق فيه ويترك الإذعان لها .. فالله يجازيه ويعاقبه على ما اجترح من السيئات، والله سريع الحساب. والمراد بآيات الله هنا: هي آياته التكوينية في الأنفس والآفاق، ويدخل في ترك الإذعان لها صرفُها عن وجهها؛ لتوافق مذاهب أهل الزيغ والإلحاد. وآياتهُ التشريعية التي أنزلها على رسله. والله أعلم.

‌20

- {فَإِنْ حَاجُّوكَ} ؛ أي: خاصمك يا محمَّد أهل الكتاب اليهود والنصارى أو غيرهم في أن الدين عند الله هو الإِسلام بعد قيام الحجة عليهم {فَقُلْ} لهم {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ} ؛ أي: أسلمت ذاتي من إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو أخلصت عملي وعبادتي {لِلِّهِ} سبحانه وتعالى وحده لا أشرك به في ذلك غيره {و} أسلم {من اتبعنِ} وجوهُهم لله تعالى، فهو معطوف على التاء في {أَسْلَمْتُ} ، وجاز ذلك لوجود الفصل بالمفعول، والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم أسلم وجهه لله، وهم أسلموا وجوههم لله تعالى. وأثبت (1) الياء في:{اتَّبَعَنِ} نافع وأبو عمرو وصلًا، وحذفاها وقفًا، وأثبتها يعقوب وصلًا ووقفًا، والباقون حذفوها وقفًا ووصلًا

(1) الجمل.

ص: 230

موافقة للرسم، وحسَّن ذلك أيضًا كونها فاصلة ورأس آية نحو:{أكرمن} و {أهانن} وقال بعضهم: حذف هذه مع نون الوقاية خاصة فإن لم تكن نون .. فالكثير إثباتها، ومعنى الكلام: فإن جادلك أهل الكتاب أو غيرهم - وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا اليهود في المدينة إلى ترك ما أحدثوه في دينهم، وتعودوه من التحريف والتأويل، والرجوع إلى حقيقة الدين وإسلام الوجه لله، والإخلاص له بعد أن أقيمت عليهم البراهين والبينات - وجئتهم بالحق، فقل لهم: أقبلت بعبادتي على ربي مخلصًا له معرضًا عما سواه أنا ومن اتبعني من المؤمنين.

والخلاصة: أنه لا فائدة في الجدل مع مثل هؤلاء؛ لأنه لا يكون إلا فيما فيه خفاء أما وقد قامت الأدلة وبطلت شبهات الضالين، فهو مكابرة وعناد، ولا يستحق منك إلا الإعراض وعدم إضاعة الوقت سدى.

{وَقُلْ} يا محمَّد {لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ؛ أي: لليهود والنصارى {وَالْأُمِّيِّينَ} ؛ أي: مشركي العرب الذين لا كتاب لهم، وخص هؤلاء بالذكر مع أن البعثة عامة؛ لأنهم هم الذين خوطبوا أولًا بالدعوة {أَأَسْلَمْتُمْ}؛ أي: أتسلمون بعد أن أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام كما أسلمت أنا ومن اتبعني، أم تصرون على كفركم وعنادكم. وهذه الجملة صورته استفهام تقريري، ومعناه: أمر؛ أي: أسلموا، كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج:{أَأَسْلَمْتُمْ} تهديد، والمعنى: أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإِسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتًا لهم وتصغيرًا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق، وتعييرًا لهم بالبلادة وجمود القريحة {فَإِنْ أَسْلَمُوا} كما أسلمتم .. {فَقَدِ اهْتَدَوْا} للفوز والنجاة في الآخرة؛ أي: ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر، وفازوا بخيري الدنيا والآخرة. {وَإِنْ تَوَلَّوْا} ، أي: أعرضوا عن الإِسلام وقبول الحق والاتباع لدينك .. فلن يضروك شيئًا. {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} ؛ أي: ما عليك إلا إبلاغ ما أنزل إليك إليهم، وقد أدَّيته على أتم وجه وأكمله، ولست عليهم بمسيطر، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وهذا قبل الأمر بالقتال، فهو منسوخ بآية السيف. {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}؛ أي: عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن، فيجازي كلًّا منهم بعمله؛ أي:

ص: 231