الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد قبول الميثاق والعهد {فَأُولَئِكَ} المعرضون {هُمُ الْفَاسِقُونَ} ؛ أي: الخارجون عن طاعة الله وميثاقه.
وخلاصة المعنى: فمن أعرض بعد أخذ الميثاق على هذه الوحدة، واتخذ الدين آلة للتفريق والعدوان، ولم يؤمن بالنبي المتأخر المصدق لمن تقدمه، ولم ينصره .. فأولئك الجاحدون هم الفاسقون، فأهل الكتاب الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خارجون عن ميثاق الله، ناقضون لعهده، وليسوا من الدين الحق في شيء.
وبعد أنْ بين الله سبحانه وتعالى أنَّ دين الله واحد، وأنَّ رسله متفقون فيه، ذكر حال منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال:
83
- {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري، والتنبيه على الخطأ في التولي والإعراض، وهي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير: أيتولون ويعرضون عن الحق بعد ما تبين لهم، ويطلبون غير دين الله وهو، الإِسلام، والإخلاص له في العبادة في السر والعلن {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: والحال أنَّه قد خضع له تعالى، وإنقاذ لحكمه أهل السموات والأرض حالة كونهم {طَوْعًا} ؛ أي؛ طائعين راضين، يعني: الملائكة والمسلمين {و} حالة كونهم {كرهًا} ؛ أي: كارهين، يعني الكفار في حالة البأس، ورؤية العذاب.
فالطَّوْع (1): الانقياد والاتباع بسهولة، والكره: ما كان من ذلك بمشقة وإباء من النفس، واختلفوا في معنى قوله:{طوعًا أو كرهًا} ، فقيل: أسلم أهل السموات طوعًا، وأسلم بعض أهل الأرض طوعًا، وبعضهم كرهًا من خوف القتل والنبي، وقيل: أسلم المؤمن طوعًا، وانقاد الكفار كرهًا، وقيل: هذا في يوم أخذ الميثاق حين قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالوا بلى} فمن سبقت له السعادة .. قال ذلك طوعًا، ومن سبقت له الشقاوة. قال ذلك كرهًا، وقيل: أسلم المؤمن
(1) الخازن.
طوعًا، فنفعه إسلامه يوم القيامة، والكافر يسلم كرهًا عند الموت في وقت اليأس، فلم ينفعه ذلك في القيامة، وقيل: أنَّه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع على الله في مراده، فأمَّا المسلم فينقاد لله، فينفذ أمره أو نهاه طوعًا، وأمَّا الكافر فينقاد لله كرهًا في جميع ما يقضى عليه، ولا يمكنه دفع قضائه وقدره عنه.
وحاصل معنى الآية (1): أنَّ هذا الميثاق لمَّا كان مذكورًا في كتبهم، وهم كانوا عارفين بذلك، فقد كانوا عالمين بذكر محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، فلم يبق لكفرهم سبب إلا مجرد العداوة والحسد، فصاروا كإبليس الذي دعاه الحسد إلى الكفر، فأعلمهم الله أنَّهم متى كانوا كذلك .. كانوا طالبين دينًا غير دين الله، ومعبودًا سوى الله تعالى، ثمَّ بين أنَّ الإعراض عن حكم الله تعالى مما لا يليق بالعقلاء، فقال:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ؛ أي: لجلال الله تعالى لا لغيره انقاد في طرفي وجوده وعدمه؛ لأنَّ كل ما سوى الله تعالى ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاده، ولا يعدم إلا بإعدامه، سواء كان عقلًا، أو نفسًا، أو روحًا، أو جسمًا، أو جوهرًا، أو عرضًا، ونظير هذه الآية في الدلالة على هذا المعنى قوله تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فالمسلمون الصالحون ينقادون لله طوعًا فيما يتعلق بالدين، وينقادون له كرهًا فيما يخالف طباعهم، من الفقر، والمرض، والموت، وما أشبه ذلك، أمَّا الكافرون .. فهم مناقدون لله تعالى كرهًا على كل حال؛ لأنَّهم لا ينقادون فيما يتعلق بالدين، ويخضعون له تعالى في غير ذلك كرهًا؛ لأنَّه لا يمكنهم دفع قضائه تعالى، وقدره أيضًا، كل الخلق منقادون لإلهيته تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ومنقادون لتكاليفه، وإيجاده للآلام كرهًا.
{وَإِلَيْهِ} تعالى لا إلى غيره {يُرْجَعُونَ} ؛ أي: يرجع الخلائق كلهم للمجازاة يوم القيامة، ففيه وعيد شديد لمن خالفه في الدنيا؛ أي: أيبتغون غير
(1) المراح.