المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وآله وسلم: "كيف قلت؟ " قال: أرأيت إن قتلت في - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وآله وسلم: "كيف قلت؟ " قال: أرأيت إن قتلت في

وآله وسلم: "كيف قلت؟ " قال: أرأيت إن قتلت في سبيلى الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبريل قال لي ذلك". أخرجه مسلم.

وعن محمَّد بن جحش رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرفع رأسه إلى السماء، ثم وضع يده على جبهته، ثم قال:"سبحان الله ماذا نزل من التشديد!! " فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد .. سألته: يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال:"والذي نفسي بيده لو أن رجلًا قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قُتل، ثم أحيي، وعليه دين .. ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه". أخرجه النسائي.

‌281

- {وَاتَّقُوا يَوْمًا} ؛ أي: وخافوا عذاب يوم {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ؛ أي: تردون فيه إلى حسابه لأعمالكم، وهو يوم القيامة، فتأهبوا لمصيركم إليه. {ثُمَّ تُوَفَّى} وتوفر فيه {كُلُّ نَفْسٍ} بَرّةٍ وفاجرةٍ جزاء {مَا كَسَبَتْ} وعملت من خير أو شر {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} في ذلك اليوم بنقص حسنة، أو زيادة سيئة، وفي هذه الآية وعيد شديد وزجر عظيم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدًا وعشرين يومًا. وقيل: تسع ليال. وقيل: سبعًا. ومات صلى الله عليه وآله وسلم لليلتين خلتا من ربيع الأول في يوم الاثنين سنة إحدى عشرة من الهجرة.

وقرأ (1) يعقوب وأبو عمرو: {تَرجِعون} بفتح التاء الفوقية وكسر الجيم مبنيًّا للفاعل؛ أي: تصيرون فيه إلى الله. وقرأ باقي السبعة {تُرجَعون} مبنيًّا للمفعول؛ أي: تردون إلى الله. وقرأ الحسن شذوذًا: {يَرجِعون} بياء الغيبة مبنيًّا للمفعول على معنى: يرجع فيه جميع الناس، وهو من باب الالتفات. وقرأ أُبيّ شذوذًا أيضًا:{تردون} بضم التاء، حكاه عنه ابن عطية، وقال الزمخشري: وقرأ عبد الله

(1) البحر المحيط.

ص: 112

{يردون} وقرأ أُبي شذوذًا أيضًا: {تصيرون} انتهى.

الإعراب

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} .

{الَّذِينَ} : مبتدأ. {يَأْكُلُونَ} : فعل وفاعل {الرِّبَا} : مفعول به،

والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {لَا}: نافية {يَقُومُونَ} : فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، والرابط ضمير الفاعل {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ {الكاف} : حرف جر. {ما} : مصدرية {يَقُومُ الَّذِي} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: إلا كقيام الذي يتخبطه الشيطان، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: لا يقومون إلا قيامًا كائنًا كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس. {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير المفعول. {مِنَ الْمَسِّ} جار ومجرور متعلق بـ {يتخبط} .

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ {بِأَنَّهُمْ} : الباء حرف جر {أن} : حرف نصب، والهاء: اسمها. {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية خبر {أن} ، وجملة {أن} في تأويل مصدر مجرور بالباء المتعلقة بواجب الحذف؛ لوقوعه خبر المبتدأ تقديره: ذلك كائن بسبب قولهم: إنما البيع، والجملة الإسمية مستأنفة. {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}: مقول محكي لـ {قَالُوا} ، وإن شئت قلت:{إِنَّمَا} : أداة حصر {الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} : مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {وَأَحَلَّ اللَّهُ}: الواو استئنافية {أحل الله البيع} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {وَحَرَّمَ الرِّبَا} الواو عاطفة. {حرم}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله {الرِّبَا}: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة أحل الله البيع.

{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} .

ص: 113

{فَمَنْ} الفاء فاء الفصيحة؛ لإنها أفصح عن شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت أن الله حرم الربا، وأردت بيان حكم من انتهى عنه بعد ما بلغه التحريم، وحكم من عاد إليه .. فأقول لك:{مَنْ} إمَّا شرطية في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب، أو موصولة وخبرها جملة قوله:{فَلَهُ مَا سَلَفَ} ، {جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ}: فعل ومفعول وفاعل، في محل الجزم بـ {من} الشرطية، أو صلة الموصول {مِنْ رَبِّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {جاء} {فَانْتَهَى}: الفاء عاطفة، {انتهى}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة معطوفة على جملة {جاء}. {فَلَهُ}: الفاء رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبًا، أو رابطة الخبر بالمبتدأ جوازًا؛ لما في المبتدأ من العموم. {فَلَهُ}: جار ومجرور خبر مقدم. {مَا} : موصولة، أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل الجزم جواب {من} الشرطية، أو في محل الرفع خبر {مَا} الموصولة، وجملة {من} الشرطية، أو الموصولة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {سَلَفَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، {وَأَمْرُهُ}: الواو عاطفة {أمره} : مبتدأ ومضاف إليه. {إِلَى اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: وأمره مفوض إلى الله، والجملة الإسمية في محل الجزم، أو في محل الرفع معطوفة على جملة قوله:{فَلَهُ مَا سَلَفَ} .

{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .

{وَمَنْ} الواو عاطفة. {مَن} : موصولة في الرفع مبتدأ أول {عَادَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة صلة الموصول، {فَأُولَئِكَ}: الفاء رابطة الخبر بالمبتدأ جوازًا. {أولئك} : مبتدأ ثانٍ {أَصْحَابُ النَّارِ} : خبره ومضاف إليه، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع خبر المبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة {هُمْ} : مبتدأ. {فِيهَا} : متعلق بـ {خَالِدُونَ} : وهو خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في

ص: 114

محل النصب حال مقدرة من أصحاب النار.

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} .

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {وَيُرْبِي}: الواو عاطفة {يربي الصدقات} : فعل ومفعول، والفاعل ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة {يَمْحَقُ}. {وَاللَّهُ}: الواو استئنافية {اللَّهُ} : مبتدأ {لَا} : نافية. {يُحِبُّ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. {كُلَّ كَفَّارٍ}: مفعول به ومضاف إليه. {أَثِيمٍ} صفة لكفار.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} .

{إِنَّ} : حرف نصب. {الَّذِينَ} اسم موصول في محل النصب اسمها. {آمَنُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {آمَنُوا} ، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {آمَنُوا} ، {وَآتَوُا الزَّكَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {آمَنُوا}. {لَهُمْ}: جار ومجرور خبر مقدم {أَجْرُهُمْ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {عِنْدَ رَبِّهِمْ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله. {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}: الواو عاطفة. {لا} نافية تعمل عمل ليس. {خَوْفٌ} اسمها مرفوع {عَلَيْهِمْ} : جار ومجرور خبر لا، وجملة لا في محل الرفع معطوفة على جملة قوله:{لَهُمْ أَجْرُهُمْ} ، وكذا جملة قوله:{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} معطوفة عليها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)} .

{يا} : حرف نداء، أيُّ: منادى نكرة مقصودة، ها: حرف تنبيه زائد.

ص: 115

{الَّذِينَ} : في محل الرفع صفة لـ {أي} ، وجملة النداء مستأنفة. {آمَنُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {اتَّقُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء. {وَذَرُوا مَا}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {اتَّقُوا}. {بَقِيَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، والجملة صلة لـ {مَا} أو صفة لها {مِنَ الرِّبَا}: جار ومجرور متعلق بـ {بَقِيَ} ، {إِنْ كُنْتُمْ}:{إِنْ} : حرف شرط جازم {كُنْتُمْ} : فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ {إن} على كونهما فعل شرط لها. {مُؤْمِنِينَ}: خبر {كان} ، وجواب {إن} معلوم مما قبلها تقديره: إن كنتم مؤمنين .. فاتركوه، وجملة {إن} مستأنفة.

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} .

{فَإِنْ} الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم النهي من الربا، وأردتم بيان عاقبة من خالف النهي .. فأقول لكم:{إن} : حرف شرط. {لم} : حرف نفي وجزم {تَفْعَلُوا} : فعل وفاعل، والجملة في محل الجزم بـ {إن} الشرطية. {فَأْذَنُوا}: الفاء رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا، {أذنوا}: فعل وفاعل، والجملة في محل جزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {بِحَرْبٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {أذنوا} . {مِنَ اللَّهِ} : جار ومجرور صفة لـ {حرب} . {وَرَسُولِهِ} معطوف على الجلالة. {وَإِنْ تُبْتُمْ} {إن} حرف شرط {تُبْتُمْ} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها: {فلكم} : الفاء رابطة لجواب {إن} الشرطية. {لكم} : جار ومجرور خبر مقدم. {رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة إن الأولى. {لَا تَظْلِمُونَ}:{لَا} : نافية {تُظْلَمُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة أو في محل

ص: 116

النصب حال من الكاف في {لكم} ، {وَلَا تُظْلَمُونَ}: الواو عاطفة لا: نافية {تُظْلَمُونَ} : فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة {لَا تَظْلِمُونَ} .

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} .

{وَإِنْ} الواو استئنافية {وَإِن} : حرف شرط. {كَانَ} : فعل ماضٍ تام في محل الجزم بـ {إن} {ذُو عُسْرَةٍ} : فاعل ومضاف إليه {فَنَظِرَةٌ} الفاء رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا. (نظرة): خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فالواجب نَظِرة له، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره: فنظرة عليكم، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة. {وَأَنْ تَصَدَّقُوا}: الواو استئنافية {أن} : حرف نصب ومصدر {تَصَدَّقُوا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أن} ، والجملة الفعلية مع {أن} المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء. {خَيْرٌ}: خبر لذلك المصدر تقديره: والتصدق خير لكم؛ أي: إبراءه أفضل من الإنظار. {لَكُمْ} : جار ومجرور صفة لـ {خَيْرٌ} . {إِنْ كُنْتُمْ} : {إِنْ} : حرف شرط {كُنْتُمْ} : فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ {أن} على كونه جوابًا لها. {تَعْلَمُونَ}: خبر كان، وجواب {إِن} معلوم مما قبلها تقديره: فافعلوه.

{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} .

{وَاتَّقُوا} الواو استئنافية. {وَاتَّقُوا يَوْمًا} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مستأنفة {تُرْجَعُونَ}: فعل ونائب فاعل. {فِيهِ} : متعلق بـ {تُرْجَعُونَ} ، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ {يَوْمًا}. {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب، {تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ} فعل ونائب فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {تُرْجَعُونَ} على كونها صفة لـ {يَوْمًا} ، ولكن الرابط فيها مقدر تقديره: ثم توفي فيه كل نفس {كَسَبَتْ} : {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثانٍ. {كَسَبَتْ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {كُلُّ نَفْسٍ} ،

ص: 117

والجملة الفعلية صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كسبته. {وَهُمْ} : الواو حالية، {هم}: مبتدأ، وجملة {لَا يُظْلَمُونَ} من الفعل المغير ونائبه في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من {كُلُّ نَفْسٍ} ، وجمع الضمير هنا اعتبارًا بالمعنى، وأعاد الضمير عليها أولًا في كسبت اعتبارًا باللفظ، وقدم اعتبار اللفظ؛ لأنه الأصل، ولأَنَّ اعتبار المعنى وقع رأس فاصلة، فكان تأخيره أحسن، كذا في "السمين".

التصريف ومفردات اللغة

{الرِّبَا} : الربا الزيادة، يقال: ربا الشيء إذا ازداد، وأرباه غيرهُ، وأربى الرجل: إذا عامل بالربا، ومنه الربوة والرابية، وكتب في القرآن بالواو والألف بعدها، ويجوز أن يكتب بالياء للكسرة، وبالألف وتُبدل الباء ميمًا. قالوا: الرِّما، كما أبدلوها في كَتَبَ فقالوا: كَتَمَ. ويُثَنَّى ربوان بالواو - وعند البصريين - لأن الألف منقلبة عنها. وقال الكوفيون: ويكتب بالياء، وتقول في تثنيته: ربيان.

{يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ} : يقول تخبط - من باب: تفعَّل (1) - من الخبط، وهو: الضرب على غير استواءٍ كخَبط العشواء، وخبط البعير الأرض بأخفافه. ويقال للذي يتصرف ولا يهتدي: خبط عشواء، وتورط في عمياء، والمسُّ: الجنون. والأمَسّ: المجنون، يقال: مسَّ فهو ممسوس إذا جُنَّ، وأصله من المس باليد. كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه، وسُمي الجنون: مسًّا كما أن الشيطان يخبطه ويطؤه برجله، فيخبله، فسُمي الجنون: خبطة، فالتخبط بالرجل والمس باليد.

{مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} : والموعظة (2) والوعظ والعظة كالموعدة والعدة والوعد. مصادر معناها واحد وهو: الزجر والتخويف وتذكير العواقب. والاتعاظ: القبول والامتثال، فقوله:{فَانْتَهَى} بمعنى: أتعظ؛ أي: قَبِل وامتثل.

{سَلَفَ} ؛ أي: سبق ومضى وانقضى، ومنه سالف الدهر؛ أي: ماضيه.

(1) البحر المحيط.

(2)

مصباح.

ص: 118

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} : المحق: نقصان الشيء حالًا بعد حال، ومنه المِحَاقُ في الهلال، يقال: محقه الله فانمحق وامتحق. أنشد الليث:

يَزْدَادُ حَتَّى إِذَا مَا تَمَّ أعْقَبَهُ

كَرَّ الْجَدِيْدَيْنِ نَقْصًا ثُمَّ يَنْمَحِقُ

{وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} من: أربى المتعدي، يقال: أرباه إذا زاده، كما يؤخذ من "القاموس". ويستعمل أربى لازمًا أيضًا، فيقال: أربى الرجل إذا دخل في الربا، كما في "المصباح".

{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} : ذروا بوزن: علوا، فهو فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، وحذفت فاؤه، وأصله: أوذروا، ماضيه: وذر، ولكن لم يستعمل إلا في لغة قليلة.

{كَفَّارٍ أَثِيمٍ} : هما من أمثلة المبالغة؛ لأنهما على وزن فعّال وفعيل، وأتى بصيغة المبالغة فيهما وإن كان الله لا يحب الكافر الأثيم تنبيهًا على عظم أمر الربا ومخالفة الله تعالى.

البلاغة

{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} : شبهوا البيع الذي هو مجمع على حلِّه بالربا الذي هو محرم، ولم يعكسوا تنزيلًا لهذا الذي يفعلونه من الربا منزلة الأصل المماثل له البيع، وهذا من عكس التشبيه، ويسمى: التشبيه المقلوب، وهو: أن يجعل المشبه مشبهًا به، والمشبه به مشبهًا، وهو أعلى مراتب التشبيه، وهو موجود في كلام العرب، كقولهم: القمر كوجه زيد، البحر ككفه. وكما قال أبو القاسم بن هانئ:

كَأَنَّ ضِيَاءَ الشَّمْسِ غُرَّةُ جَعْفَرٍ

رَأَى الْقِرْنَ فَازْدَادَتْ طَلَاقَتُهُ ضِعْفًا

والأصل في الآية أن يقال: إنما الربا مثل البيع، ولكن لما بلغ اعتقادهم في حل الربا النهاية .. جعلوه أصلًا يقاس عليه، فشبهوا به البيع.

{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} : بين لفظ: {أحل} و {حرم} طباق، وكذا

ص: 119

بين لفظ: {يَمْحَقُ} و {يربي} . وقال أبو حيان (1): وفي ذكر المحق والإرباء بديع الطباق، وفي ذكر الربا ويربي بديع التجنيس المغاير.

{كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} : وذكر الأثيم على سبيل المبالغة والتوكيد من حيث إنه اختلف اللفظان.

{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ} : التنكير فيه للتهويل؛ أي: بنوع من الحرب عظيم، لا يقادر قدره كائن من عند الله.

{لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} : فيه من المحسنات البديعية ما يُسمى: الجناس الناقص؛ لاختلاف المعنى.

{وَاتَّقُوا يَوْمًا} : التنكير للتفخيم والتهويل.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) البحر المحيط.

ص: 120

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)} .

المناسبة

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ

} مناسبة هذه الآية لما قبلها (1): أنه تعالى لمَّا أمر بالنفقة في سبيل الله، وبترك الربا، وكلاهما يحصل به تنقيص المال .. نبه على طريق حلال في تنمية المال وزيادته، وأكد في كيفية حفظه، وبسط في هذه الآية، وأمر فيها بعدة أوامر على ما سيأتي بيانه، قاله أبو حيان.

وقيل: إنه تعالى لما ذكر الربا، وبيَّن ما فيه من القبح القبيح؛ لأنه زيادة مقتطعة من عرق المدين ولحمه، وهو كسب خبيث يحرمه الإِسلام، وذكر ما فيه من الوعيد الشديد .. أتبعه بذكر القرض الحسن بلا زيادة ولا منفعة للمقرض،

(1) البحر المحيط.

ص: 121