الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنفقتم، أو وثوابًا عليه في الآخرة. فالمغفرة: إشارة إلى منافع الآخرة، والفضل: إشارة إلى منافع الدنيا، وما يحصل من الرزق والخلف. {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} بالمغفرة للذنوب، وبإغنائكم وإخلاف ما تنفقونه {عَلِيمٌ} بنياتكم وصدقاتكم، لا تخفى عليه خافية.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا". متفق عليه. وعن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه قال: قال الله تعالى: "أنفق ينفق عليك". وفي رواية: "يد الله ملأى، لا تغيضها نفقة سحَّاء الليل والنهار"، وقال:"أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده - وفي رواية: فإنه لم يغض ما في يمينه - وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع. وفي رواية: وبيده الأخرى الفيض والقبض، يرفع ويخفض" متفق عليه.
وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنفقي، ولا تحصي فيحصى عليك، ولا توعي فيوعى عليك" متفق عليه.
قوله: "ولا توعي" أي: لا تشحي فيشح الله عليك؛ أي: فيجازيك بالتَّقْتِير في رزقك، ولا يخلف عليك، ولا يبارك لك. والمعنى: لا تجمعي وتمنعي، بل أنفقي ولا تعتدي ولا تشحي.
269
- {يُؤْتِي} ؛ أي: يعطي الله سبحانه وتعالى {الْحِكْمَةَ} ؛ أي: العلم النافع المؤدي إلى العمل الصالح {مَنْ يَشَاءُ} ويريد إيتاءَه من عباده. واختلفوا في تفسير الحكمة على أقوال كثيرة جدًّا، فقال السّدّيّ: هي النبوة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الفهم بالقرآن ناسخِه ومنسوخه، مُحكمهِ ومتشابهه، عامِّه وخاصِّه، إلى غير ذلك. وقال مجاهد: الإصابة في القول. وقال مالك: الحكمة: المعرفة بدين الله، والفقه فيه، والإتباع له، إلى غير ذلك من الأقوال المتلاطمة. وقراءة الجمهور بالياء في الفِعْلين. وقرأ الربيع بن خيثم بالتاء في {يُؤْتِي} ، وفي {يَشَاءُ}
على الخطاب، وفيه التفات؛ إذ فيه خروج من خطاب إلى غيبة.
{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} ؛ أي: إصابة القول والفعل والرأي. قرأ الجمهور: {يُؤْتَ} مبنيًّا للمفعول. وقرأ يعقوب: {ومن يؤتِ} بكسر التاء مبنيًّا للفاعل، وفاعله ضمير يعود على الله. وقرأ الأعمش شذوذًا:{ومن يؤته الحكمة} بإثبات الضمير الذي هو المفعول الأول، وفاعله ضمير عائد على الله تعالى؛ أي: ومن يعطِ الحكمة {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} ؛ أي؛ فقد أعطي خير الدارين {وَمَا يَذَّكَّرُ} ؛ أي: ما يتفكر في الحكمة {إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ؛ أي؛ إلا أصحاب العقول السليمة من الركون إلى متابعة الهوى، أو المعنى: وما يتعظ بما وعظه الله إلا ذوو العقول الكاملة، الذين عقلوا عن الله أمره ونهيه، أو: العلماء العمال. والمراد به: الحث على العمل بما تضمنت الآيُ في معنى الإنفاق.
الإعراب
{مَثَلُ} : مبتدأ، {الَّذِينَ} مضاف إليه، ولكن لا بد من تقدير مضاف في أحد الجانبين؛ ليصح الإخبار: إما في الأول تقديره: مثل نفقات الذين ينفقون أموالهم كمثل حبة، أو في الثاني تقديره: مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل باذر حبة. {يُنْفِقُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل، {أَمْوَالَهُمْ}: مفعول به، ومضاف إليه {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور وضاف إليه متعلق بـ {يُنفِقُونَ} ، {كَمَثَلِ حَبَّةٍ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ تقديره: مثل نفقاتهم كائن كمثل حبة، والجملة مستأنفة. {أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}: فعل ومفعول به، ومضاف إليه مجرور بالفتح؛ لأنه على زنة مفاعل، وفاعله ضمير يعود على حبة، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ {حَبَّةٍ}؛ تقديره: كمثل حبة منبِّتة سبع سنابل.
{فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} .
{فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ} جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر مقدم
{مِائَةُ حَبَّةٍ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل الجر صفة لـ {سَنَابِلَ}؛ تقديره: موصوفة يكون مئة حبة في كل سنبلة منها؛ أي: من تلك السنابل، ويصح أن يكون مئة حبة فاعلًا للجار والمجرور قبله؛ لاعتماده على موصوف؛ لوقوعه صفة لسنابل، وهذا الوجه هو أولى من الأول؛ لأن الأصل الوصف بالمفردات دون الجمل، ولكن لا بد من تقدير محذوف، أي: في كل سنبلة منها؛ أي: من السنابل، ويجوز أن تكون الجملة في محل النصب صفة لـ {سَبْعَ} ، كقولك: رأيت سبعة رجال أحرار وأحرارًا. وقرىء شاذًا: {مِائَةُ حَبَّةٍ} بالنصب، وقُدِّر بـ: أخرجت، وقدَّره ابن عطية بـ: أنبتت، والضمير عائد على الحبة.
{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
{وَاللَّهُ} : الواو استئنافية. {الله} : مبتدأ، وجملة {يُضَاعِفُ}: خبره، والجملة الإسمية مستأنفة. {لِمَنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {يُضَاعِفُ} . {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير المفعول المحذوف؛ تقديره: لمن يشاء. {وَاللَّهُ} الواو عاطفة. {الله} : مبتدأ. {وَاسِعٌ} : خبر أول. {عَلِيمٌ} : خبر ثانٍ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.
{الَّذِينَ} : مبتدأ {يُنْفِقُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يُنْفِقُونَ}. {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب وتراخ (1)، نظرًا للغالب من أن وقوع المن والأذى يكون بعد الإنفاق بمدة. وقيل المراد: التراخي في الرتبة، وأن رتبة عدمهما أعظم في الأجر من رتبة الإنفاق. {لَا}: نافية، {يُتْبِعُونَ}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة
(1) الجمل.
على جملة الصلة {مَا أَنْفَقُوا} : {مَا} : موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول أول. {أَنْفَقُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة، والعائد أو الرابط محذوف؛ تقديره: ما أنفقوه. {مَنًّا} : مفعول ثانٍ لـ {يُتْبِعُونَ} . {وَلَا أَذًى} : معطوف عليه، عطف عام على خاص، {لَهُمْ أَجْرُهُمْ}:{لَهُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم. {أَجْرُهُمْ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر لقوله:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} ، وجملة المبتدأ الأول وخبره مستأنفة، وإنما لم تدخل الفاء هنا في خبر الموصول؛ لعدم تضمُّنه معنى
الشرط والتعليق؛ لأن هذه الجملة مفسِّرة لما قبلها، فهي كالشيء الثابت المفروغ منه، فلا تحتاج إلى تضمين تعليق. {عِنْدَ رَبِّهِمْ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر، أعني قوله:{لَهُمْ} تقديره: لهم أجرهم حالَ كونه مدخرًا لهم عند ربهم. {وَلَا خَوْفٌ} : الواو عاطفة. {لا} : نافية تعمل عمل ليس. {خَوْفٌ} اسم ليس. {عَلَيْهِمْ} : جار ومجرور خبر {لا} ، وجملة {لا}: معطوفة على جملة قوله: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} على كونها خبر المبتدأ الأول، وكذا جملة قوله:{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} معطوفة عليها على كونها خبرًا.
{قَوْلٌ} : مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفهُ بما بعده، والعطف عليها. {وَمَغْفِرَةٌ}: معطوف عليه، وسوغ الإبتداء بها العطف، أو الصفة المقدرة؛ إذ التقدير: ومغفرة من السائل، أو من الله {خَيْرٌ} خبر عنهما، والجملة مستأنفة. {مِنْ صَدَقَةٍ}: متعلق بخبر. {يَتْبَعُهَا أَذًى} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر صفة صدقة. {وَاللَّهُ}: الواو استئنافية {الله} : مبتدأ. {غَنِيٌّ} : خبر أول. {حَلِيمٌ} خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة.
{يَا أَيُّهَا} : يا: حرف نداء. أيُّ: منادى نكرة مقصودة، ها: حرف تنبيه
زائد. {الَّذِينَ} : اسم موصول في محل النصب أو الرفع صفة لأي. {آمَنُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {لَا تُبْطِلُوا}؛ {لَا}: ناهية. {تُبْطِلُوا} : فعل وفاعل مجزوم بلا الناهية، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، {صَدَقَاتِكُمْ} مفعول به، ومضاف إليه. {بِالْمَنِّ}: متعلق بـ {تُبْطِلُوا} . {وَالْأَذَى} : معطوف على المن. {كَالَّذِي} : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمصدر مع تقدير مضاف تقديره: لا تبطلوا إبطالًا كإبطال نفقات الذي {يُنْفِقُ مَالَهُ} : فعل، ومفعول به، ومضاف إليه، والفاعل ضمير يعود على الموصول، والجملة صلته {رِئَاءَ النَّاسِ}: مفعول لأجله، ومضاف إليه. {وَلَا يُؤْمِنُ}: الواو عاطفة. {لا} : نافية {يُؤْمِنُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على الموصول، والجملة معطوفة على جملة {يُنْفِقُ} على كونها صلة الموصول {بِاللَّهِ} متعلق بـ {يُؤْمِنُ}. {وَالْيَوْمِ}: معطوف على لفظ الجلالة {الْآخِرِ} : صفة لليوم.
{فَمَثَلُهُ} الفاء رابطة لما بعدها بما قبلها جوازًا {مثله} : مبتدأ، ومضاف إليه، والضمير عائد على المرائي. {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ}: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: صفته كائنة كصفة صفوان، والجملة مستأنفة. {عَلَيْهِ}: خبر مقدَّم. {تُرَابٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة في محل الجر صفة لصفوان. ولك (1) أن ترفع ترابًا بالجار؛ لأنه قد اعتمد على ما قبله، {فَأَصَابَهُ} الفاء عاطفة على الجار؛ لأن تقديره: استقر عليه تراب، فأصابه وابل، وهذا أحد ما يقوي شَبَه الظرف بالفعل، ذكره أبو البقاء. {أصابه وابل} ، فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة قوله:{عَلَيْهِ تُرَابٌ} {فَتَرَكَهُ} الفاء عاطفة {تركه صلدًا} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على
(1) العكبري.
{وَابِلٌ} ، ويحتمل كون ترك من أخوات صار الناقصة، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} . {لَا يَقْدِرُونَ} : {لَا} : نافية. {يَقْدِرُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأنه (1) قيل: فماذا يكون مآلهم حينئذٍ؟ فقيل: لا يقدرون، والضمير في {يَقْدِرُونَ} عائد على الموصول في قوله:{كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} . ومن (2) ضرورة كون مثلهم كما ذكر، كون مثل من يُشْبههم، وهم أصحاب المن والأذى كذلك. {عَلَى شَيْءٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَقْدِرُونَ} . {مِمَّا} : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لشيء؛ تقديره: شيء كائن مما كسبوا {كَسَبُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كسبوه. {وَاللَّهُ} الواو استئنافية. {الله} مبتدأ. {لَا يَهْدِي} : {لَا} نافية. {يَهْدِي} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. {الْقَوْمَ}: مفعول به. {الْكَافِرِينَ} صفة للقوم.
{وَمَثَلُ} الواو استئنافية. {مثل} : مبتدأ. {الَّذِينَ} : مضاف إليه، ولكن على تقدير مضاف تقديره: ومثل نفقات الذين {يُنْفِقُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {أَمْوَالَهُمُ}: مفعول به، ومضاف إليه. {ابْتِغَاءَ}: مفعول لأجله، وهو مضاف. {مَرْضَاتِ}: مضاف إليه، مرضات: مضاف، ولفظ الجلالة {اللهِ} مضاف إليه. {وَتَثْبِيتًا}: معطوف على ابتغاء. {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} : جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {تَثْبِيتًا}: أي: لأجل الابتغاء والتثبيت، ويصح أن يكونا حالين؛ أي: مبتغين ومثبتين {كَمَثَلِ جَنَّةٍ} : جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ تقديره:
(1) الجمل.
(2)
الجمل.
ومثل نفقات الذين ينفقون كائن كمثل جنة، والجملة مستأنفة. {بِرَبْوَةٍ}: جار ومجرور صفة أولى لـ {جَنَّةٍ} تقديره: كائنة بربوة. {أَصَابَهَا وَابِلٌ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر صفة ثانية لجنة، ويجوز (1) أن تكون الجملة في موضع نصب على الحال من الجنة؛ لأنها قد وصفت، ويجوز أن تكون حالًا من الضمير في الجار، وقد مقدرة مع الفعل، ويجوز أن تكون الجملة صفة لربوة؛ لأن الجنة بعض الربوة. {فَآتَتْ}: الفاء عاطفة، {آتى}: فعل ماضٍ، والتاء علامة التأنيث، وفاعله ضمير يعود على الجنة، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {أَصَابَهَا} ، وأتى يتعدى إلى مفعولين، أولهما محذوف تقديره: صاحبها {أُكُلَهَا} : مفعول ثانٍ، ومضاف إليه. {ضِعْفَيْنِ}: حال من {أُكُلَهَا} ؛ أي: حال كونه مضاعفًا. {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ} : الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفت حالها فيما إذا أصابها وابل، وأردت بيان حالها فيما إذا لم يصبها وابل .. فأقول لك {إن لم يصبها}:{إن} : حرف شرط جازم. {لَمْ} : حرف نفي وجزم. {يُصِبْهَا وَابِلٌ} : فعل ومفعول وفاعل، مجزوم بـ {لَمْ} ، والجملة في محل الجزم بـ {إن} على كونها فعل شرط لها. {فَطَلٌّ} الفاء رابطة لجواب {إن} وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية {طلّ}: مبتدأ، خبره محذوف تقديره: فطل يكفيها، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {وَاللَّهُ}: مبتدأ. {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {بَصِيرٌ} . {تَعْمَلُونَ} فعل وفاعل، إما صلة لها، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تعملونه. {بَصِيرٌ} : خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة.
(1) العكبري.
{أَيَوَدُّ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري {يود أحدكم} : فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، أو إنشائية لا محل لها من الإعراب. {أَنْ}: حرف نصب. {تَكُونَ} : فعل ناقص منصوب بـ {أَن} . {لَهُ} : جار ومجرور خبر مقدم لـ {تَكُونَ} . {جَنَّةٌ} : اسمها مؤخر، وجملة {أَن} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية؛ تقديره: أيود أحدكم كون جنة له. {مِنْ نَخِيلٍ} : جار ومجرور صفة أولى لـ {جَنَّةٌ} . {وَأَعْنَابٍ} : معطوف على {نَخِيلٍ} . {تَجْرِي} : فعل مضارع. {مِنْ تَحْتِهَا} : جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {تَجْرِي}. {الْأَنْهَارُ}: فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة ثانية لـ {جَنَّةٌ} ، ولكنها سببية. {لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}. {لَهُ} جار ومجرور خبر مقدم {فِيهَا}: جار ومجرور حال من الضمير المستكن في الخبر {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صفة لمبتدأ محذوف تقديره: رزقٌ كائن من كل الثمرات، كائن له حالة كونه في تلك الجنة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع صفة ثالثة لـ {جَنَّةٌ} .
{وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} .
{وَأَصَابَهُ} : الواو حالية. {أصابه الكبر} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة حال من {أَحَدُكُمْ} وقد مقدرة فيها. {وَلَهُ}: الواو حالية. {له} : خبر مقدم {ذُرِّيَّةٌ} مبتدأ مؤخر. {ضُعَفَاءُ} : صفة لـ {ذُرِّيَّةٌ} ، والجملة في محل النصب حال من الهاء في {أصابه} .
{فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} .
{فَأَصَابَهَا} : الفاء عاطفة {أصابها إعصار} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على صفة الجنة، قاله أبو البقاء؛ يعني على قوله:{من نخيلٍ} وما بعده. {فِيهِ نَارٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل الرفع صفة الإعصار. {فَاحْتَرَقَتْ}: الفاء عاطفة {احترقت} : فعل ماضٍ، وتاء تأنيث، وفاعله ضمير يعود على {جَنَّةٌ} ، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة قوله:{فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ} على كونها صفة لـ {جَنَّةٌ} .
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} .
{كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: تبيينًا كائنًا كتبيين هذا المثل المذكور. {يُبَيِّنُ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة .. {لَكُمُ}: متعلق بـ {يُبَيِّنُ} . {الْآيَاتِ} : مفعول به. {لَعَلَّكُمْ} : {لعل} : حرف ترجٍ وتعليل، والكاف: اسمها. {تَتَفَكَّرُونَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر {لعل} تقديره: لعلكم متفكرون، وجملة لعل في محل الجر بلام التعليل المقدرة.
{يَا أَيُّهَا} : {يا} : حرف نداء، أيُّ: منادى نكرة مقصودة، ها: حرف تنبيه زائد. {الَّذِينَ} : في محل النصب، أو الرفع صفة لـ {أي} ، وجملة النداء مستأنفة. {آمَنُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {أَنْفِقُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء. {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {أَنْفِقُوا} . {كَسَبْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: كسبتموه. {وَمِمَّا} : جار ومجرور معطوف على قوله: {مِنْ طَيِّبَاتِ} ، ولكنه على تقدير مضاف تقديره: ومن طيبات ما أخرجنا لكم. {أَخْرَجْنَا} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: أخرجناه. {لَكُم} : متعلق بـ {أَخْرَجْنَا} . {مِنَ الْأَرْضِ} : متعلق أيضًا بـ {أَخْرَجْنَا} .
{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} .
{وَلَا} : الواو عاطفة {لا} : ناهية جازمة. {تَيَمَّمُوا} : فعل وفاعل، مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة معطوفة على جملة {أَنْفِقُوا}. {الْخَبِيثَ} مفعول به. {مِنْهُ}: متعلق بـ {تُنفِقُونَ} ، وجملة {تُنفِقُونَ} في محل النصب حال من فاعل {تَيَمَّمُوا} ، وهي حال مقدرة؛ لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه،
ويجوز أن يكون حالًا من الخبيث؛ لأن في الكلام ضميرًا يعود إليه، أي: منفقًا منه.
{وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} .
{وَلَسْتُمْ} {الواو} : استئنافية. {لستم} : فعل ناقص، واسمه. {بِآخِذِيهِ}: الباء زائدة في خبر ليس {آخذيه} : خبر {ليس} ومضاف إليه، وجملة {ليس} مستأنفة. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ {أَنْ} : حرف نصب ومصدر {تُغْمِضُوا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أن} . {فِيهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {تُغْمِضُوا} ، وجملة {أَنْ} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بباء محذوفة تقديره: إلا بإغماضكم فيه، والباء المحذوفة متعلقة بـ {آخِذِيهِ} ، ومفعول الإغماض محذوف تقديره: أبصاركم؛ أي: بإغماضكم فيه أبصاركم. وجوز أبو البقاء أنْ تكون {أَنْ} وما في حيزها في محل نصب على الحال، والعامل فيها {آخِذِيهِ} ، والمعنى: لستم بآخذيه في حال من الأحوال إلا في حال الإغماض.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} .
{وَاعْلَمُوا} : الواو استئنافية. {اعلموا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {أَنَّ}: حرف نصب ومصدر {اللَّهَ} اسمها. {غَنِيٌّ} : خبر أول لها. {حَمِيدٌ} : خبر ثانٍ لها، والجملة في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {علم} تقديره: واعلموا كون الله غنيًّا حميدًا.
{الشَّيْطَانُ} : مبتدأ. {يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} : فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على {الشَّيْطَانُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة، وجملة:{يأمركم} معطوفة على جملة: {يَعِدُكُمُ} {بِالْفَحْشَاءِ} : متعلق بـ {يأمركم} . {وَاللَّهُ} : مبتدأ. {يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً} : فعل ومفعولان، وفاعله ضمير
يعود على الله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ} {مِنْهُ} : جار ومجرور صفة لـ {مَغْفِرَةً} . {وَفَضْلًا} : معطوف على مغفرة. {وَاللَّهُ} : مبتدأ. {وَاسِعٌ} : خبر أول. {عَلِيمٌ} : خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة أو معطوفة.
{يُؤْتِي} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، وأتى هنا بمعنى: أعطى، يتعدى إلى مفعولين. {الْحِكْمَةَ}: مفعول أول له {مَن} : اسم موصول في محل النصب مفعول ثانٍ له. {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة {مَن} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من يشاء إيتاءَه {وَمَنْ يُؤْتَ} الواو عاطفة، أو استئنافية {مَن}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يُؤْتَ}: فعل مضارع مغيَّر الصِّيغةِ مجزوم، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَن} وهو المفعول الأول. {الْحِكْمَةَ}: مفعول ثانٍ. {فَقَدْ} : الفاء رابطة لجواب {مَن} الشرطية وجوبًا؛ لاقترانه بقَدْ. {أُوتِيَ} : فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة في محل الجزم بـ {مَن} على كونه جوابًا لها، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَن} وهو المفعول الأول {خَيْرًا}: مفعول ثانٍ. {كَثِيرًا} ؛ صفة له، وجملة {مَن} الشرطية، إما معطوفة على جملة {يُؤْتِي} ، أو مستأنفة. {وَمَا يَذَّكَّرُ} الواو استئنافية {ما}: نافية {يَذَّكَّرُ} : فعل مضارع. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {أُولُو الْأَلْبَابِ} : فاعل، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
{سَبْعَ سَنَابِلَ} : والسنابل: جمع سنبلة على وزن فُنْعلة، والنون فيه زائدة، والسنبلة معروفة، يدلك على ذلك قولهم: أسبل الزرعُ إذا أخرج سبله، والسبَلُ مثل السنابل واحدتها سَبَلة، مثل قَصَب وقصَبَة، ويقال: سَنْبل الزرع إذا أخرج
سنبله، وقال (1) بعض أصحابنا: النون أصلية، ووزنه فعلل؛ لأن فنعل لم يثبت، فيكون مع أسبل كسبط وسبطر.
{فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} : والأصل في مئة: مئية. يقول: مئيت القوم، إذا كملتهم مئة، ثم حذفت اللام تخفيفًا؛ كما حذفت لام يدٌ ودمٌ.
{وَلَا أَذًى} : ولام (2) الأذى ياء، يقال: أذى يأذي أذىً مثل نصب ينصِب نصبًا. {رِئَاءَ النَّاسِ} : والهمزة الأولى في {رِئَاءَ} : عين الكلمة؛ لأنه من رئى، والأخيرة بدل من الياء؛ لوقوعها طرفًا بعد ألف زائدة كالقضاء والدماء، ويجوز تخفيف الهمزة الأولى؛ بأن تقلب ياءً فرارًا من ثقل الهمزة بعد الكسرة. وقد قرئ به كما مَرَّ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول، وفي "الجمل": ورئاء (3): مصدر كقائل قئالًا، والأصل ريايًا، فالهمزة الأولى بدل من ياءٍ هي عين الكلمة، والثانية بدلٌ من ياءِ هي لام الكلمة؛ لأنها وقعت طرفًا بعد ألف زائدة والمفاعلة في {رِئَاءَ} على بابها؛ لأن المرائي يُري الناس أعماله حتى يروه الثناءَ عليه والتعظيم له.
{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} : الصفوان: الحجر الكبير الأملس كما سبق، وهو جمع صفوانه، والأفصح أن يقال: جنس لا جمع، ولذلك عاد الضمير عليه بلفظ الإفراد في قوله:{عَلَيْهِ تُرَابٌ} وقيل: هو مفرد، وقيل: جمع واحدهُ صفا، ولكن جمعُ فَعَلٍ على فَعْلَان قليلٌ، وحُكي: صِفوان - بكسر الصاد - وهو أكثر في المجموع. ويقرأ بفتح الفاء، وهو شاذ؛ لأن فعلانًا شاذ في الأسماء، وإنما يجيء في المصادر؛ كالغليان كما مر.
{عَلَيْهِ تُرَابٌ} : التراب معروف، ويقال: فيه توراب. وتَرِب الرجل: افتقر.
وأترب: استغنى، الهمزة فيه للسلب؛ أي: زال عنه التراب وهو الفقر، وإذا زال
(1) البحر المحيط.
(2)
عكبري.
(3)
جمل.
عنه كان غنيًّا.
{فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} : وألف {أصابه} بَدَلٌ من واو؛ لأنه من: صاب يصوب كقال يقول. وفي "المصباح": وبلت السماء وبلًا من باب: وعد وبولًا: اشتد مطرها، وكان الأصل: وبل مطر السماء، فحذف للعلم به، ولهذا يقال للمطر: وابل.
فائدة: المطر أوله رشٌّ، ثم طشٌّ، ثم طلٌّ، ثم نضح، ثم هطل، ثم وبل.
{فَتَرَكَهُ صَلْدًا} وفي "المختار": حجر صلد؛ أي: صُلْبٌ أملس، وصلد الزند - من باب: جلس - إذا صوَّت، ولم يخرج نارًا، وأصلد الرجل: صلد زنده، ويقال أيضًا: صلِد بكسر اللام يصلَد بفتحها.
{طل} : الطل: المستدق من القطر الخفيف، وفي "الصحاح": الطل أضعف المطر، والجمع: طلال، يقال: طلت الأرض، وهي مطلول.
{مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} ونخيل فيها قولان:
أحدهما: أنه اسم جمع واحدهُ نخلة.
والثاني: أنه جمع نخل الذي هو اسم جنس، والأعناب جمع عنبٍ الذي هو اسم جنس واحدهُ عنبة، والعنب تمر الكرم، وقال الراغب: سمي النخل؛ لأنه منخول الأشجار وصفوها، وذلك أنه أكرم ما ينبت؛ لكونه مشبهًا للحيوان في احتياج الأنثى للذكر، وأنه إذا قطع رأسه لم يثمر. {يَعِدُكُمُ} أصله: يوعدكم، فحذفت الواو؛ لوقوعها بين عدوتيها الياء والكسرة {يَذَّكَّرُ} أصله: يتذكر فأبدلت التاء ذالًا؛ لتقرب منها فتدغم.
البلاغة
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} : فيه مجاز بالحذف؛ لأنه لا بدَّ من تقدير مضاف في أحد الجانبين؛ أي: مثل نفقاتهم كمثل حبة، أو مثلهم كمثل باذر حبة.
{كَمَثَلِ حَبَّةٍ} : شبّه سبحانه وتعالى النفقة التي تنفق في سبيله بحبة أنبتت سبع سنابل، فأصبحت سبع مئة حبة، ففيه تشبيه مرسل مجمل؛ لذكر أداة التشبيه،
وحذف وجه الشبه. وهذا (1) التمثيل تصوير للأَضْعافِ كأنها ماثلة بين عين الناظر. قالوا: والممثل به موجود، شوهد ذلك في سنبلة الجاروس والذرة والدخن. قيل: واختص هذا العدد؛ لأن السبْع أكثر أعداد العشرة، والسبعين أكثر أعداد المئة، وسبع مئة أكثر أعداد الألف، والعرب كثيرًا ما تراعي هذه الأعداد.
{أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} : وإسناد الإنبات إلى الحبة إسناد مجازي، ويسمى: المجاز العقلي؛ لأن المنبِت في الحقيقة هو الله تعالى، وإنما نسب الإنبات إليها؛ لأنها كانت سببًا له كما يُنسب ذلك إلى الأرض والماء. {مَنًّا وَلَا أَذًى}: من باب ذِكر العام بعد الخاص لإفادة الشمول؛ لأن الأذى يشمل المن، وفي توسيط كلمة {لا} دلالة على شمول النفي.
{لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
…
} الآية. وفي تكرير الإسناد، وتقييد الأجر بقوله:{عِنْدَ رَبِّهِمْ} من التأكيد والتشريف ما لا يخفى، وفي إخلاء الخبر من الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها إيذانٌ بأن ترتب الأجر على ما ذكر من الإنفاق، وترك اتباع المن والأذى أمرٌ بَيِّنٌ، لا يحتاج إلى التصريح بالسببية.
{وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} : وهذه الجملة تذييل (2) لما قبلها، مشتملة على الوعد والوعيد، مقرِّرةٌ لاعتبار الخيرية بالنسبة إلى السائل قطعًا.
{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} فيه تشبيه تمثيلي؛ لأن وجه الشبه منتزع من متعدّد، وكذلك يوجد تشبيه تمثيلي في قوله:{كَمَثَلِ حَبَّةٍ} .
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} : وهذه الجملة تذييل (3) مقرِّر لمضمون ما قبلها، وفيها تعريض بأنَّ كلًّا من الرياء، والمن والأذى على الإنفاق من خصائص
(1) البحر المحيط.
(2)
جمل.
(3)
جمل.
الكفار، فلا بدَّ للمؤمنين أن يجتنبوها.
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ
…
} الآية. لم يذكر المشبه، ولا أداة التشبيه، وهذا النوع يسميه البيانيون استعارة تمثيلية، وهي تشبيه حال بحال لم يذكر فيه سوى المشبَّه به فقط، وقامت قرائن تدل على إرادة التشبيه. والهمزة للاستفهام الإنكاري، والمعنى على النفي والتبعيد؛ أي: ما يود أحد ذلك.
{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} : هذا مؤكِّد للأمر؛ إذ هو مفهوم من قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} ، وفي هذا طباقٌ بذكر الطيبات، والخبيث.
{إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} في الكلام مجاز مرسل واستعارة؛ إذ الإغماض في اللغة: غمض البصر، وإطباق الجفن. والمراد هنا: التجاوز والمساهلة؛ لأن الإنسان إذا رأى ما يكره .. أغمض عينيه؛ لئلا يرى ذلك.
{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} : وكرر ذكر الحكمة ولم يضمرها؛ لكونها في جملة أخرى، وللاعتناء بها، والتنبيه على شرفها وفضلها وخصالها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ
…
} مناسبة هذه الآيات لما قبلها ظاهرةٌ؛ لما فيها من بيان أمر كلي شامل لجميع أفراد النفقات، وما في حكمها من النذور، بعد ما بيّن ما كان منها في سبيل الله تعالى. ولا تزال الآيات تتحدَّث عن الإنفاق في وجوه البر والخير، وأعلاها: الجهاد في سبيل الله، والإنفاق لإعلاء كلمة الله، وتُرغِّب في إخفاء الصدقات؛ لأنها أبعد عن الرياء.
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
…
} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما ذكر تعالى قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} الآية. اقتضى أنه ليس أحد آتاه الله الحكمة، فانقسم الناس من مفهوم هذا قسمين: من أتاه الله الحكمة فهو يعمل بها، ومن لم يؤته إياها فهو يخبط عشواء في الضلال، فنبه بهذه الآية أن هذا القسم ليس عليك هداهم، بل الهداية، وإيتاء الحكمة. إنما ذلك إلى الله تعالى ليتسلى بذلك في كون هذا القسم لم يحصل له السعادة الأبدية، ولينبه على أنهم وإنْ لم يكونوا مهتدين تجوز الصدقة عليهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا
…
} الآية، قال (1) ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا الحسين بن زياد المحاربي: أخبرنا موسى بن عمير عن عامر الشعبي في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا
…
} الآية، قال: أنزلت في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أمّا عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلفت وراءك يا عمر؟ قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر: فجاء بماله كله يكاد أن يخفيه من نفسه حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر؟ فقال: عدة الله وعدة رسوله، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: بأبي أنت وأمي يا أبا بكر، والله ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقًا.
قال ابن كثير: وإنما أوردنا هذا الحديث ها هنا لقول الشعبي: إن الآية نزلت في ذلك.
قوله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
…
} روى (2) النسائي والحاكم والبزار والطبراني وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا عن ذلك، فرخص لهم، فنزلت هذه الآية:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} إلى قوله: {وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} .
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ
…
} إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل أهل دين.
(1) ابن كثير.
(2)
لباب النقول.