الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرأ حمزة والكسائي وخلف (1): {سيغلبون ويحشرون} بالياء على الغيبة. وقرأ باقي السبعة: بالتاء خطابًا؛ أي: قل لهم في خطابك إياهم ستغلبون وتحشرون. فتكون الجملتان مقولًا لـ {قُلْ} ، وعلى قراءة الياء لا تكون الجملة محكية بـ {قُلْ} بل محكية بقول آخر تقديره: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة.
والفرق بينهما (2): أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى،
13
- وعلى الغيبة يكون بلفظه. ثم حذرهم وأنذرهم بأن لا يغتروا بكثرة العَدَد والعُدَّة فلهم مما يشاهدون عبرة فقال: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} . وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقدير مضمون ما قبله، ولم يقل: كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله: لكم، وقال ابن جرير: الخطاب فيه لليهود والمعنى: قل يا محمَّد لليهود: واللهِ لقد كانت وحصلت لكم علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم من أنكم ستغلبون {فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} ؛ أي في فرقتين اجتمعتا يوم بدر للقتال {فِئَةٌ} ؛ أي: فرقة منهما {تُقَاتِلُ} وتجاهد {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ أي: في طاعة الله؛ لإعلاء كلمته، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومئتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرًا بين كل أربعة منهم بعير واحد ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمرو ولمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة دروع وثمانية سيوف. وقراءة العامة:{فِئَةٌ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما. وقرأ الحسن ومجاهد وحميد شذوذًا: {فئةٍ} بالجر على البدلية من فئتين. وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: {فئة} بالنصب، فيكون نصب الأولى على المدح، والثاني على الذم، وكأنه قال: أمدح فئة تقاتل
(1) البحر المحيط.
(2)
المراح.
في سبيل الله، وأذم أخرى كافرة. وقرأ الجمهور:{تُقَاتِلُ} بالتاء على تأنيث الفئة، وقرأ مجاهد ومقاتل شذوذًا:{يقاتل} بالياء على التذكير نظرًا لكون الفئة بمعنى القوم {و} فرقة {أخرى كافرة} كافرة بالله ورسوله وهم مشركوا مكة، وكانوا تسع مئة وخمسين رجلًا من المقاتلة، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، وكان رئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان فيهم مئة فرس، وكانت معهم من الإبل سبع مئة وأهل الخيل كلهم كانوا دارعين وكان في الرجال دروع سوى ذلك، وكانت وقعة بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة {يَرَوْنَهُمْ}؛ أي: يرى المشركون المؤمنين بعد ما شرعوا في القتال {مِثْلَيْهِمْ} ؛ أي: مثلي عدد المشركين قريبًا من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفًا وعشرين {رَأْيَ الْعَيْنِ}؛ أي: في رأي العين؛ أي: رؤية ظاهرة محققة بالعين لا بالوهم والخيال، وذلك أنه تعالى كَثَّر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا ويجبنوا عن قتالهم ولا يعارض هذا ما قال في سورة الأنفال:{ويقللكم في أعينهم} ؛ لأنهم قللوا أولًا في أعينهم حتى اجترؤوا على قتالهم، فلما اجتمعوا. كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المجمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى لها:{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} ، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية.
وهذا (1) على قراءة الجمهور بالياء التحتانية، وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة وسهل ويعقوب {ترونهم} بالتاء على الخطاب، والمعنى: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة، ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدًّا، فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم، وقرأ ابن عباس وطلحة {تُرَونهم} بضم التاء على الخطاب، وقرأ السلمي: بضم الباء على الغيبة.
(1) البحر المحيط.